وصفتها السعودية بأنها واحدة من أكبر التمارين العسكرية في العالم، من حيث عدد القوات المشاركة واتساع منطقة المناورات.. إنها مناورات “رعد الشمال” التي شهدها الأسبوع الماضي قادة وممثلو 20 دولة عربية وإسلامية بمشاركة 350 ألف عسكري بمنطقة حفر الباطن السعودية.. واستخدم في المناورات 2540 مقاتلة و20 ألف دبابة و460 مروحية، ومئات المدرعات والمصفحات.
الحقيقة التي لا جدال فيها أن الصراع قانون طبيعي يحكم هذه الحياة. فعندما يوجد فـرد واحد يوجد سلام، وعندما يوجد اثنان يكون هناك صراع (قابيل وهابيل). وعندما يكون هناك ثلاثة تكون هناك تحالفات.. والحرب واحدة من الظواهر الحتمية في حياة الإنسان، واكبت مسيرته وظلت معلماً بارزاً في تاريخه الطويل.
وحتمية الحرب تقتضي في ساحات التفكير الاستراتيجي الاستعداد والأعداد، وتدخل المناورات العسكرية في هذا الإطار، وهي تعبير عسكري يستخدم لوصف التحركات الميدانية للقوات العسكرية.. وفي حالة السلم تعتبر تدريبات عسكرية تقوم بها جيوش عدة دول حليفة لتطوير أدائها وتعزيز مهاراتها الميدانية وتقوية الروابط العسكرية والتنسيق بين الدول المشاركة.. أما المناورة في حالة الحرب فهي تعبير يستعمله العسكريون للإشارة إلى استراتيجية عسكرية تقوم على بدء الحرب بهجوم متحرك وسريع ومباغت يربك العدو ويوقع به خسائر موجعة.
وتنطوي مناورات رعد الشمال على رسائل سياسية وعسكرية مهمة، وهناك من يعتبرها محاكاة لعمليات برية تستعد هذه القوات لتنفيذها، فضلا عن أن توقيتها ومكانها وحجمها يحمل دلالات عميقة.. وترسم السياسة الهدف وتحدده لتحقيقه سواء بالسبل العسكرية أو بغيرها.. والاستراتيجية العليا هي الأداة التنفيذية للسياسة، أي أنها السياسة في مرحلة التنفيذ أو في مرحلة الحركة العنيفة. والاستراتيجية العسكرية هي فن توزيع واستخدام الإمكانات والوسائل العسكرية المختلفة لتحقيق هدف السياسة بالطريقة المثلى. وينظر لمناورات رعد الشمال، باعتبارها تمرينا عملياتيا وتكتيكيا، مع عدم استبعاد تحولها إلى مناورة قتالية عند الحاجة للتدخل في أي مكان من العالمين العربي والإسلامي، مثل: سوريا أو العراق، وبالضرورة فإنها ستكون في حماية أي دولة خليجية تتعرض لأي تهديد.
المتفائلون يرون أن تحالفا عسكريا بين الدول المشاركة في هذه المناورات بإمكانه ضمان التوازن الإقليمي بالمنطقة. ويعكس مسمى “رعد الشمال” حالة معنوية معبرة، وفي العرف العسكري يجب أن تبعث الأسماء القوة والرعب، وعن هذه المناورات فإن التدريبات المتزامنة في وقت الربيع ومع أمطار المنطقة الشمالية دفعت إلى هذه التسمية، إذ يعرف عن رعد الشمال ارتفاع صوته.
بدون أدنى شك هناك مسؤولية مباشرة وكبيرة لدول المنطقة في كلّ ما يحدث من تداعيات خطيرة حبلى بالمؤشرات التي تصبّ في عملية إعادة تشكيل المنطقة وسط صمت غير مبرر. وتعد هذه المنطقة من العالم مجتمعا غنيا بتأثيرات عديدة، ومختلفة، حيث تقطنه الآن عدة جماعات مختلفة الأعراق، واللغات، والأعراف.
وجاءت صحوة مناورات رعد الشمال في توقيت عصيب ودقيق، فالرؤية الغربية القائمة على نظرية الفوضى تقصد التعاون مع الأقليات أو استخدامها في وجه الخصم السني المفترض متمثلا بالعرب والأتراك وهذا بين في العراق وسوريا. فمواجهة الإسلام تقتضي ضرب الغالبية السنية بالأقلية الشيعية التي سيأتي دورها لاحقا. ومنذ العام 2008 وضع الرئيس الأمريكي باراك أوباما سياسة جديدة تجاه إيران تتجاوز وصف “الشيطان الأكبر” بدءا من طريقة التعامل مع ملفها النووي ورفع العقوبات الاقتصادية واللقاءات الدبلوماسية الدافئة على هامش هذه المفاوضات مما عكس. لقد أدى الدعم الأمريكي للملشيات الشيعية في العراق إلى ظهور نسخة مطورة من تنظيم القاعدة ممثلة في تنظيم الدولة الإسلامية وهو التنظيم الذي يُظهر صورة الإسلام التي يريدها الغرب الأمر الذي يوفر مسوغات ومبررات أخلاقية لضربه.
في سوريا احتكرت الطائفة والعائلة السلطة. وبقيت إيران في ظل الأزمة الحالية ممسكة بدمشق باعتبارها حلقة مركزية في مشروعها التوسّعي المرتكز على المذهبية. وصوّرت إيران الثورة المطالبة بالديمقراطية في سوريا على أنها ثورة سنية ضد الأقلية العلوية الحاكمة، وهي طائفة صغيرة من الشيعة. وهذا الوضع المدعوم أمريكيا أسهم في تمكين عناصر داعش في سوريا كرد فعل، وكنتيجة حتمية لحصار الثورة ضد نظام الأسد.
واليوم مصر أكبر الدول العربية، على مفترق طرق كبير وتهب عليها رياح كثيرة وتواجه سيناريو شد الأطراف، وهذا يجعل الأمن والشرطة منهكة في بلد اقتصاده في حالة شبه انهيار، وربما لن تستطيع حكومة عبدالفتاح السيسي استنفار الأمن والجيش معاً.
أما اليمن فغدا بلد يفتت ويعاد تكوينه وفق رؤية سقوط فكرة الدولة وإحلال رابط جديد يتفوّق على رابط المواطنة. وهو دور يقوم به الحوثيون بدعم إيراني صريح وهو ما سيعطي دفعا جديدا لتنظيم القاعدة هناك.