{ بلغ وزير الصحة بولاية الخرطوم الدكتور “مأمون حميدة” درجة قصوى من التوتر النفسي والإسفاف اللفظي، جراء الفشل المستمر لسياساته المتخبطة في قطاع الصحة، فجعل يكيل من حين لآخر الإساءات للصحافة والصحفيين- دون بقية خلق الله من الوزراء- لكونه يستشعر أنه (مسنود) ومرضي عنه!
{ لكن عباد الله السودانيين الذين نلاقيهم في الشوارع والمطاعم والمستشفيات، وفي الأفراح والأتراح غير راضين عن أداء هذا الوزير جملة وتفصيلاً، وما من مبصر لحال المستشفيات في ولاية الخرطوم يمكنه أن يشهد بنجاح “مأمون”.. إطلاقاً.
{ وحسناً فعل والي الخرطوم الفريق أول “عبد الرحيم محمد حسين” إذ استمع لصراخ الناس وتأوهات المرضى الغلابة، وتنبيهات الصحافة الوطنية المسؤولة فقام بزيارات ميدانية (مفاجئة) لعدد من المستشفيات (الطرفية) التي اعتمدها “حميدة” بديلاً لأكبر مستشفيات السودان.. مستشفى الخرطوم التعليمي الذي تأسس في العام 1904م.
{ ماذا وجد الفريق “عبد الرحيم” في مستشفى (بشائر)؟ هو يعلم.. ونحن أيضاً نعلم، لأن محررتنا زارت المستشفى وطافت أقسامه وتحدثت إلى عدد من العاملين فيه، وقد نشرت (المجهر) تحقيقاً على مساحة صفحة كاملة عن واقع الحال في المستشفى الذي (لا) يحكي دلالات اسمه.. بشائر!!
{ ماذا يمكن أن يجد الفريق “عبد الرحيم” من خدمة صحية في مستشفى (البلك للأطفال) بمدينة الثورة، لقد زرته شخصياً وكتبت عن تفاصيل تلك الليلة السوداء في رحابه، وليس من رأى كمن سمع.
{ مستشفى (البان جديد) بمدينة “الحاج يوسف” الطرفية.. مستشفى كبير بمبنى ضخم لا بأس به، زرته أيضاً خلسة الأسبوع الماضي وتجولت داخله، وللأمانة وجدت أطباء امتياز وعموميين وممرضات يعملون بهمة واجتهاد في قسم (الحوادث)، ولكنني رأيت أيضاً غرفة العملية الصغيرة ملاصقة لدورات المياه!! كيف نشأت هذه الفكرة القاتلة.. الجمع بين الجراحة الصغيرة وموقع تجمع البكتريا والجراثيم!! في أي بلد في العالم يمكن أن يحدث هذا؟!
{ ثم أمعنت النظر في عنبر الولادة، بعض الشبابيك مفتوحة، ربما للتهوية ودخول الأكسجين! العنبر غير صحي وغير ملائم لعمليات ولادة صحية خالية من البكتريا، في منطقة اكتظاظ سكاني هائل كالحاج يوسف وقرى شرق النيل.
{ في جميع المستشفيات من “إبراهيم مالك” إلى “البان جديد” ستجد أن الأطباء المعالجين (أطباء امتياز) و(عموميون) يتدربون على أجساد المرضى و(زي ما تجي تجي)، دون أن يقف على رؤوسهم اختصاصيون واستشاريون، فكيف يتعلمون وعلى أيادي من يتدربون، ومقابل ماذا يدفعون مالاً بآلاف الجنيهات لمجلس التخصصات الطبية والوزارة تحت عنوان (التدريب والتأهيل)؟!
{ مشاهد الحال المأساوي في المستشفيات الطرفية بما فيها “إبراهيم مالك” تكشف بجلاء ودون حاجة لكثير جدل أن “مأمون حميدة” بخطته (الجهنمية) لنقل الخدمة الصحية للأطراف لم ينقل سوى (الوهم)؛ الذي باعه لكبار المسؤولين في الدولة، ولسنا- كصحفيين- من يقول هذا، بل قاله مدير عام مستشفى “إبراهيم مالك” المستشفى البديل لمستشفى تأسس قبل (112) عاماً، في استقالته الشهيرة الجهيرة قبل أسابيع، وفيها أكد فشل الخطة، بل غباء الفكرة وارتجال التنفيذ!
{ المدير المستقيل قال المستشفى لا يمكنه استيعاب أعداد المرضى التي تدافعت على بواباته بعد إغلاق حوادث مستشفى الخرطوم!!
{ استقالة الرجل تؤكد أنهم فشلوا في استيعاب المرضى، والفشل هنا ليس حصرياً على إدارة المستشفى التي لا تملك مالاً ودواء، بل هو بالأساس فشل صاحب الفكرة والمشروع الرجل العبقري العلامة الذي لا يفهم مثله أحد من أهل السودان “مأمون بن محمد علي بن حميدة”!!
{ نحن لا ننافسك في (بزنس المستشفيات والجامعات) يا “مأمون”، ولم تستطع أن تنافسنا في (بزنس الصحافة) إن كانت هي بزنس، ولا بيننا وبينك (ورثات) ولا (ثارات)، حتى نستهدفك في شخصك، أو تستهدفنا- عموم الصحفيين والكُتّاب- بالإساءات ووصفنا بـ(الجهل) أكثر من مرة، وعلى الملأ وفي ندوات يفترض أنها (علمية) لا سياسية، ورغم ذلك ننشر (شتائمك) لنا على الصفحات الأولى بجرائدنا، ليس تأكيداً على زعمك، ولكن تعزيزاً لمبادئنا ومعتقداتنا في الحرية لنا وللآخرين، ثم ليعرف الناس كيف يتعامل العالم الجليل رئيس الجامعات وحامل الدرجات العليا.. الدكتوراه والأستاذية مع قادة الإعلام، إذ لم يتعلم الدكتور- للأسف الشديد- من أساتذته (الفرنجة) شيئاً عن احترام الرأي العام وطرق التفاعل معه والإفادة منه!
{ نحن لسنا من قال بفشل سياساتك في قطاع الصحة يا “مأمون”، الذين استقالوا من تحت إدارتك هم الذين قالوا، والذين هاجروا من كبار الأطباء وتركوا المستشفيات مرتعاً لأطباء الامتياز هم الذين قالوا.
{ لو كنت يا (بروف) قد تعلمت حقاً من السادة (الإنجليز)، لكنت تعلمت أدب الاستقالة، كما استقال مدير مستشفى “إبراهيم مالك”، وهناك ألف سبب وسبب تدعوك للاستقالة أو تبرر الإقالة.
المجهر السياسي