المبادئ ( خشم بيوت)

:: بعد سنوات من مناهضة السلطة من منفاه، توسل أحمد عرابي ليعود إلى مصر لظروف (خاصة) وليس في إطار حل قضية (عامة)..وتعهد بالعودة كصديق وليس كعدو، وأن لا يمارس السياسة المناهضة للسلطة الخديوية..وأمام سيل التوسل، توسط الإنجليز للسلطة الخديوية بالعفو عنه، فعفت عنه ليعود إلى مصر في سبتمبر 1901، فاستاء الشعب المصري باعتبار أنه ( باع القضية).. ولم يكن في إستقبال عرابي غير أفراد أسرته، ثم أمير الشعراء شوقي معاتباً بالنص الشعري : صغار في الذهاب و في الإياب، أهذا كل شأنك يا عرابي؟/ عفا عنك الأباعد والأداني، فمن يعفو عن الوطن المصاب..؟؟
:: وفي نوفمبر العام 2008، بعد أكثر من عشرين عاماً قضاها في مناهضة هذه الحكومة من المنافي ، عاد محمد عثمان الميرغني إلى البلاد..ولكن لم يعد في إطار حل القضية العامة التي خرج في سبيلها متأبطاً ما يسمونه بالهم ( العام)، بل عاد الميرغني – طوعاً و إختياراً – مرافقاً جثمان شقيقه أحمد عثمان الميرغني، فله الرحمة والمغفرة بإذن الله، أي عاد – كما أحمد عرابي – لظروف (خاصة).. مات شقيقه، فماتت قضية الناس والبلد في منفي الميرغني ..ثم كانت رحلة العودة الطوعية بلا أي (مقابل سياسي)..عاد تاركاً كل شعارات المناهضة وكأن حياة شقيقه كانت القضية و(سبب المنفى)، وليست قضية الناس والبلد..!!
:: من تعاليم الجيش، بما أن القائد الميداني هو المثل الاعلى للجنود، يجب عليه أن يكون القدوة..ومن صفات وشروط القيادة، الصبر على المكاره ( عامة كانت أو خاصة)، ثم التفاني في آداء الواجب حتى النصر و العودة الى الديار أو الشهادة في ميدان المعركة.. وحالات الموت والزواج والمرض التي تحدث في أسرهم لا تُعيد القادة من مسارح العمليات إلى ديارهم مهما كانت صلة القربى بأصحاب تلك الحالات..فالهم العام يطغى على الظرف الخاص، وكذلك يعلون (القضية العامة) على (الأزمة الخاصة)، أوهكذا حياة قادة القوات النظامية في كل حالات الحرب والطوارئ ..!!
:: ونرجع للساسة ومساحة (الهم الخاص) في حياتهم مقارنة مع مساحة (الهم العام)..وبعد عودة الميرغني الطوعية – بلا مقابل سياسي – من منفاه عند تغلب (الحزن الخاص) على (الحزن العام)، يعود اليوم الدكتور علي الحاج من منفاه بلا مقابل سياسي أيضاً.. لم يعد علي الحاج لهم الناس والبلد، أي في إطار إتفاق أو حل لقضية عامة خرج من أجلها، بل عاد حزيناً لوفاة الشيخ الترابي، له الرحمة والمغفرة باذن الله .. تغلب الحزن الخاص على الحزن العام، فعاد طوعاً وإختياراً..أي مات الترابي، فماتت قضية الناس والبلد في منفي علي الحاج.. !!
:: وفي مثل هذه المواقف يصبح السؤال عن المسماة في عالم السياسة بالمبادئ مشروعاً.. ما هي مبادئ الساسة في بلادنا؟، وهل هي ذات المبادئ المعروفة في قواميس اللغة أم هي مبادئ أخرى قابلة للحراك حسب المشاعر والعواطف الخاصة بالساسة؟.. هكذا نسأل، وفي الخاطر الموقف الراهن للإمام الصادق المهدي، بحيث لم يرفع الحزن الخاص برحيل صهره ورفيق صباه وشبابه على (الحزن العام).. ومن يكظم الحزن الخاص لصالح الهم العام يصبح جديراً بإحترام ( الرأي العام)..!!

Exit mobile version