فاز احد الرؤساء الأفارقة بجائزة (الحكم الرشيد) المقدمة من قبل مؤسسة (مو ابراهيم) السوداني الجنسية ..والجائزة عبارة عن خمسة ملايين دولار تعطى للحاكم الذي قضى سنوات حكمه نزيها ..رشيدا وتنازل عن الكرسي بهدوء وبدون (شوشرة) . ترى ما هو المغزي الأساسي من فكرة الجائزة تلك التي تمنح هذا المبلغ الهائل لشخص واحد؟؟ الشئ الاكيد ان هؤلاء القوم الذين يمتلكون المال لهم مجموعة من المستشارين الذين يدرسون كل صغيرة وكبيرة ولا يجعلون صاحب المال يخطو خطوة بدون معرفة نتائجها وما تعود به من نفع ماديا كان ام معنويا. رغم ان خبرتي في مجال المال والاعمال لا تتعدى تقسيم راتبي الشهري وتلك الصناديق والختات التي اتشارك بها مع زملائي في العمل ..الا انني واتتني رغبة صادقة في ان اسحب استمارة تقديم للجائزة في العام القادم..أريد ان أرشح اسماء بعض الراشدين … فارجو ان يتسع صدر السيد محمد ابراهيم ومستشاريه لما أريد قوله في الاسطر التالية ….اريد ان ادعو السيد مو لزيارة منزل صغير في حي الصحافة شرق مستاجر لرعاية الاطفال المصابين بالسرطان …هناك ستجد مجموعة من الرجال الراشدين …لم يتنازلوا عن الحكم لانهم لم يجربوه ولم يحلموا بالكرسي يوما ما ..ولكنهم تركوا الحياة باكملها وجاؤوا الى الخرطوم بحثا عن جرعة كيماوي او مبضع جراحة لابنهم او ابنتهم الذين هاجم السرطان خلايا أبدانهم ولم يراعى صغر سنهم ولا اقبالهم على الحياة …دعني احكي لك عن عم ابراهيم ..ذلك الراشد الذي طلق الحياة منذ اكثر من عام وحمل ابنه على كتفه واتى الى العاصمة ..كل يوم هو في عيادة او اشعة او جرعة كيماوي ..لم يكل لحظة ولم يتذمر ..ولكن نفد ما عنده من مال ..اضطر لبيع بيته ..وسكنت اسرته في بيت ايجار ..ولا زال امين ابنه يتعالج ولازالت الديون تتراكم ولا زالت الابتسامة والامل في قريب الفرج يزين محيا عم ابراهيم …دعني احدثك عن حاج محمد وابنته سلمى ..السرطان ينهش وجهها ..والخوف ان يتمدد ويجتاح خلايا الدماغ.. …هل احكي لك عن الراشد عباس وابنه عثمان ..حامد وابنته سعيدة ..بشارة وابنته مريم ….خالد وابنه بخيت …و اسماء كثيرة لم استحضرها حاليا ..هؤلاء الراشدون كان قدرهم ان يقاتلوا الموت حتى لا يغتال اطفالهم …لو رأيتهم في صبرهم وتماسكهم ..لعرفت أنهم حقا هم الراشدون …الا يستحقون الجائزة القادمة؟؟؟… قيمة الجائزة لعام واحد تكفي لبناء مستشفى متخصص لعلاج سرطان الأطفال بالسودان…هل قلت لك ان الأسرة المخصصة للاطفال في المستشفى هي 22 سرير فقط …يصل الامر احيانا كثيرة ان يمكث الطفل سويعات لمدة الجرعة فقط ويتم انزاله قبل ان يتمالك قواه ..لكي يصعد الطفل التاني الذي يكون في الانتظار..هل قلت لك اننا في سكن الاطفال نفقد كل اسبوع طفل او طفلين ..بعضهم يكون على أهبة الاستعداد للذهاب ..فيتعجله الموت قبل السفر. ….ترى كم من حياة يمكن انقاذها ..وكم ابتسامة يمكن استعادتها ..وكم من اسرة يمكن ان تعيش حياة مطمئنة لان العلاج سيصبح متوفرا بعد قيام مستشفى متخصص لسرطان الاطفال ؟؟؟. شئ لا يمكن لأحد ان يتخيله ..انه يوجد طفل ما.. ليس همه ان يحصل على لعبة او ملابس العيد …في ذلك السكن تجد هذه النوعية… اطفال (ونستهم) تدور عن الجرعة القادمة من الكيماوي و الفرق بين الجراحة والعلاج بالأشعة …اطفال كل حلمهم ان تكتب لهم أيام اطول في الحياة ..فالموت يحيط بهم من كل جانب ..هل آلمتك؟؟ حمدا لله انك لم ترهم ..ولم تأسرك اعينهم المحبة للحياة ولا أصواتهم الصغيرة ..عني انا اتحاشى في كل زيارة ان أسال عن احدهم ..فتاتيني الاجابة التقليدية التي يغلفون بها خبر الموت وهي انه (ارتاح اخيرا من الألم )…كم اتمنى ان تقال ذات العبارة و لكن للتعبير عن الشفاء ؟؟؟…هل يتحقق حلمي بان يرى مستشفى سرطان الاطفال السوداني النور… يوما ما؟؟ ليس ذلك على الله بكثير.
د. ناهد قرناص