الموت باب وكل الناس داخله
ولو أنَّا إذا متنا تركنا
لكان الموتُ أمنية كل حي
ولكنَّا إذا متنا بعثنا
ونُسأل بعده عن كل شيء
الموت حق ، غيَّب الموت مساء السبت الخامس من شهر مارس ، علماً من أعلام الحركة الإسلامية والسياسية السودانية والعالمية ، رجلٌ من خالفوه أكثر ممن أحبوه ! كوَّن وأسَّس الحركة الإسلامية السودانية كوريث شرعي لحركة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا رحمه الله ، كانت الحركة الإسلامية في بداياتها جسماً سليم القلب لا يحمل للناس سوى الحب ، ولكن بمرور الأيام والسنون شاخ هذا الجسم وتهالكت قواه ، واختلف وافترق أعضاءه ، ونتجت عنه مسميات وجماعات وتيارات ، وكان الفقيد الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي يخطط لعودة هذا الجسم تحت (المنظومة الخالفة) وكانت الاجتماعات بين فرقاء الإسلاميين تعقد حتى الساعات الأولى من الصباح ، ولكن يد المنون سبقت وحكم الله نفذ .
هبطت بنا الطائرة منتصف ظهيرة السبت بمطار الخرطوم ، فرغت من بعض المهام ، وعلمت أن الترابي رحمه الله طريح الفراش ، وبعيد صلاة العصر وفي طريقي للمنزل مررت بمستشفى رويال كير ، وكانت الأنباء ترد بين الفينة والأخرى تارة بتحسن حالته الصحية ، وأخرى تنعاه ، وأخرى تدعو له ، ولجتُ إلى ساحة المستشفى حيث وجدت الزميل والصديق الشعبي المعتق يتلفت يمنة ويسرى ، وقفنا وتجاذبنا أطراف الحديث ، وأخذني إلى حيث يرقد الشيخ وحوله أبناءه ومحبيه وتلاميذه والدستوريين والتشريعيين والوزراء والإسلاميين والعمائم البيض على مد البصر … ما هي إلا لحظات حتى خرج الطبيب وأبلغ الجميع بنبأ الرحيل … البعض كبَّر وهلل وحوقل ، والنساء يصرخن والرجال يبكون والدموع انهمرت .. الجميع بكى وانتحب … كانت لحظات لن تنسى …
في أكتوبر الماضي أجريت حواراً مع أحد تلاميذ الترابي رحمه الله وهو البروفسور حسن مكي وسألته عن الترابي فقال لي : ” د. حسن عبد الله الترابي رجل له قدرات كبيرة ، وله تجديد خصوصاً في مجال المرأة وغيرها ، ولكن تقديراته السياسية كانت ضعيفة ” .
أجد نفسي أميل إلى الترابي السياسي أكثر منه للفقيه والمجدد – كما يقولون – ، وذلك لأنه كرَّس جهده الفقهي في اجترار مسائل فقهية قديمة وهي معتبرة بين العلماء ، ولا أرى أن المسلمون في حاجة إليها في عصرنا هذا ، إذ يكفينا ويكفيهم ما اتفق عليه العلماء وما عليه سلفنا الصالح .. وهذه المسائل هي من سببت له عداوة بعض الإسلاميين …
خاض كثيرون حول جواز الترحم عليه ، بل والصلاة والمشاركة في دفنه وتشييعه ، وكفره بعضهم ، وفسقه وبدَّعه كثيرون … ولو أن لي سلطة لجمعت كل الذين تحدثوا هذا الحديث وذهبت بهم لجزر البهاما والمالديف وضواحي الغرب ، وتركتهم لتبلغ الإسلام وإدخال هؤلاء الخلق تحت لواء الإسلام ونطق الشهادتين … عالمنا الحالي به أكثر من سبعة مليار نسمة ، والمسلمون تقريباً مليار واحد ، هناك ستة مليار يحتاجون لمن يعرفهم بـ(أ ب ت ث) إسلام ! وعلماؤنا ودعاتنا هنا مشغولون بتكفير وتفسيق وتبديع المسلمين !
تألمت لموت د. حسن الترابي لما تركه من فراغ في الساحة الإسلامية كان بإمكانه – بعد فضل الله وتوفيقه له – من جمع كلمتها وصفها … تألمت لموتك كما يتألم الرجل بفقد أباه وأمه .. خوفي على الإسلاميين من التمزغ والتشتت والإنقسام والتطرف والتخبط …
اللهم اغفر لعبدك حسن الترابي ، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ، اللهم اجعله في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وما مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيائته ، الله ارحمنا إذا صرنا إلى ماصار إليه برحمتك يا أرحم الراحمين .
بقلم : عمر عبد السيد