علي الحاج: الترابي (راجعني) في أمر الحزب بالدوحة
قال لأحد مقربيه: (أشعر أن ساعاتي أضحت معدودة)
وجه في آخر أيامه بصرف استحقاقات صحافيي رأي الشعب
الجميعابي: حين أصبت بالحمى (أرقدني) في غرفته الخاصة
حين قال موغابي في حضرته: أين الترابي الضخم الطويل؟
رزق: الترابي كان ينتصر في السيجة على المعتقلين بكوبر
قيادي بالشعبي: في آخر لقاء به قال لي وداعا.. نلتقي في الجنة..!!
في أمسية الرابع والعشرين من مارس من العام 2012 م وخلال تأبين الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي الراحل محمد إبراهيم نقد (رحمه الله) فاجأ الترابي كعادته بحديث عن الراحل نقد جعل كل مستمعيه يطربون له رغم هول فجيعة الرحيل آنذاك.. فقد كانت كلمة غريمه السياسي الدكتور الترابي من أكثر الكلمات التي أثرت في الحضور، قالها وقد علا وجهه التأثر أن نقد زميلي في حنتوب كان (داعية إنسانياً) لأنه وهب حياته للتبشير والدعوة لفكر إنساني عالمي.. بل مضى الترابي إلى أكثر من ذلك حين أماط اللثام عن سر عظيم حين قال إن نقد كان أحد أسباب كتابته للتفسير التوحيدي حيث كان الراحل كثيرا ما يطلب منه كتابة تفسير القرآن يتماشى مع الحياة العصرية.. وقال الترابي: نقد كان رجلاً سمحا عف اللسان لا تسمع منه نابية.. تذكرت سرد الترابي لخبايا العلاقة بينه وبين نقد هذه، وقد تسابق مقربو وخاصة الرجل ومعاصروه وهم يتناوبون في سرد حكاوى وأسرار ومواقف لهم مع الراحل أبوا إخراج بعضها إلى سرادق تأبينه..
مراجعة
القيادي بالشعبي الدكتور علي الحاج محمد، والذي كان مقربا من شيخ حسن كشف عن أسرار بينهما تقال لأول مرة حين قال: (شيخ حسن طلب مني كثيرا أن اعود إلى السودان لكني كنت اتعلل بأشياء وأسباب متعددة وفي آخره حين طلب مني الشيخ بالحضور إلى السودان في وقت معين رفضت ذلك بحجة أن أمر حضوري مفروغ منه لكن هنالك بعض الترتيبات والإجراءات التي لابد أن تكتمل وقلت له أنا لست ضد المجيء ولكن لا بد أن تمضي الأمور كما ينبغي). وعلي الحاج كشف عن معاناة الدكتور الترابي من (مشاكل) في القلب، وأن الأطباء أشاروا إليه بذلك في قطر التي أجرى فيها آخر فحوصات طبية في 29 ديسمبر من العام الماضي، وأضاف أنه جلس إلى الترابي وتحدثا طويلا عن مستقبل الحزب باعتبار الموت حق وقد يأتي بغتة بعد حديث الأطباء، مشيرا إلى أن الترابي قد وضع معالم واضحة لطريق الحزب ومستقبله.
رسائل وإشارات
القيادية بالشعبي، مدير عام مركز دراسات المرأة نوال مصطفى دفع الله افصحت خلال حديثها عن الرسائل التي كان يرسلها الترابي في الآونة الأخيرة في اجتماعات الحزب والمناشط الأخرى ومغزاها بأنه مفارق لكنهم لم يستطيعوا إلتقاط تلك الإشارات، وإن رحيله في مكتبه لهو أعظم الإشارات والرسائل.
ساعات معدودة
(أشعر أن ساعاتي أضحت معدودة في هذه الحياة، وما اتمناه قبل رحيلي هو الاطمئنان على وحدة أهل القبلة في السودان) هذا ما قاله الترابي حرفيا قبل أسبوع من رحيله للقيادي الشاب بحزبه وعضو الأمانة العامة الناجي دهب الذي حدثني به خلال تجاذبنا أطراف الحديث في سرادق العزاء ،قالها لي صديقي وهو لا يتمالك نفسه من البكاء على فقده لشيخ حسن الذي قال إنه كان يسابق (المنون) لتحقيق ذلك مستشهدا بوصاياه الأخيرة في مسجد القوات المسلحة أمام الرئيس البشير. الناجي كشف لي ايضا عن اجتماع جمعه بشيخ حسن قبل أسابيع من رحيله حول صحيفة الحزب رأي الشعب (الموقوفة) والتي يتولى إدارتها العامة الناجي حيث شدد الترابي على منح كل العاملين بالصحيفة حقوقهم وأن يبذل في ذلك جهدا حتى يتسلم كل صحفي كان يعمل بالصحيفة حقوقه.
أخونا اسمه عوض الوداع نلتقي مسافر.
عودة مياه
ومما رواه الأمين العام للشعبي إبراهيم السنوسي الذي خلف الترابي في الحزب خلال حديثه في سرادق عزاء الشيخ، أن شيخ حسن وفي آخر أيامه كان دائم الوصل وأسرته بالرئيس البشير، وأسرته وكانوا يتبادلون الزيارات على مستوى الأسر، مشيرا إلى أن شيخ حسن اصطحب زوجه وصال ذات مرة وقام بزيارة للرئيس في بيته، بل إن السنوسي ذهب بالقول إن البشير قد جاء إلى المستشفى الذي كان يتعالج به الترابي وكان متابعا لحالته الصحية حتى وفاته.
القيادي الإسلامي المعروف ونائب رئيس حركة الإصلاح الآن، حسن عثمان رزق روى أنه دخل معه ذات مرة السجن في عهد مايو وكان رزق مسؤولا (إيقاظ) المعتقلين لصلاة الفجر ويضيف رزق: (كنت كلما أتي لإيقاظه أجده مستيقظا، وكان في السجن متسامحا مع الكل لدرجة أنه في يوم من الأيام كان يلعب (سيجة) بقطعة الصابونة مع معتقلي الحزب الشيوعي وكان دوما ينتصر عليهم. وعندما جاءت الإنقاذ عام 1989م كان شيخ حسن مصرا على إعادة نشاط الأحزاب السياسية، وقلت له إذا كنا نريد عودة الأحزاب فلماذا قمنا بالانقلاب؟ فأجابني بالقول: يا حسن لأن ذلك هو عهدنا بممارسة الديمقراطية ويضيف رزق حاولت استفزازه بسؤال آخر: حتى الحزب الشيوعي يا دكتور؟ أجابني: حتى الشيوعي يا رزق. ويضيف رزق بأن الترابي لم يحمل نقودا في جيبه قط، مضيفا بقوله: (وفي بدايات الإنقاذ وكنت حينها بجانبه حين تبرعت له جهة عربية بحقيبة نقود مليئة بالدولارات، فقال لي: خذوها يا حسن وأعطوها لناس التصنيع الحربي.
موغابي والترابي
القيادي الجنوبي بالشعبي السابق موسى المك كور قال: (ذهبت معه بصحبة الرئيس البشير ودكتور علي الحاج في جولة لعدة دول أفريقية قبيل المفاصلة، وقابلنا الرئيس الزيمبابوي موغابي الذي قال للوفد أن هنالك شخصا ضخما وكبيرا في السودان يدعى الترابي أين هو؟ وهو لا يعلم بأن الترابي الذي تولى مهمة الترجمة للمجموعة بين الوفد.. فبادرت بإخطار موغابي بوجود الترابي وأشرت إليه، فما كان من موغابي إلا أن سارع بالاعتذار والتأسف للترابي.
غرفة خاصة
القيادي الإسلامي المعروف محمد محيي الدين الجميعابي قال إنه ألتقى الترابي في الآونة الأخيرة وسأله: (يا دكتور الترابي اتثق في أهل الحزب الحاكم حول الحوار؟ فأجابه الترابي بقوله: (أنا أخذت عهدا من الرئيس بأن مسألة الحوار ومخرجاته سيتم تنفيذها).. ويضيف الجميعابي أنه وخلال دراسته الجامعية اتى إلى بيت الترابي وهو يرتجف بسبب الحمى والملاريا وكان بيت الترابي مفتوحا للناس، وقال الترابي حينها لزوجته: يا وصال خذي الجميعابي إلى غرفتي الخاصة.. ويزيد الجميعابي ورقدت بها ست ساعات فقد كان الترابي بيته مفتوحا، فهو أبونا وزوجته هي والدتنا وكل خصالنا السمحة حملناها منه، وهو إنسان لم يكن يميز بين ممن حوله على أساس عرقي أو إثني.
لقاء في الجنة
أحد قيادات المؤتمر الشعبي بالولايات وهو محمد عوض الجيد الزبير وهو من الرعيل الأول وأمين امانة الإعلام بالشعبي بولاية الجزيرة قال لي أمس إنه في آخر زيارة له للترابي قبل أسابيع أتى ليودعه ليلتحق بولايته بعدما انقضت مهمته بالخرطوم، فقال إن الترابي قال له حرفياً: (أريد أن يكون في السودان حزبان أحدهما للمسلمين والآخر للشيطان. واعفو عن أخوانكم و ياعوض الجيد، الدنيا مافضل لينا فيها كتير ويا عوض أخوي وداعا وسنلتقى في الجنة إن شاء الله).
تقرير: رمضان محجوب – الهضيبي يس
الصيحة