لا شك أن سيل الكراهية الذي واجهه المؤتمر الشعبي في الأيام الماضية لا يغطي عليه حالياً إلا حزنهم لرحيل الشيخ الترابي، وربما فاجأ هذا البعض من حزب المؤتمر الشعبي من قيادات الصف الثاني الذين لم يشهدوا أو يشاركوا في الانقلاب عام 1989م، ولعله ترك غصة في صدورهم، امتلأت الأسافير ومواقع التواصل الاجتماعي بنوعين من الكراهية، الأول مصدره الجماعات السلفية والمتشددة وهو موقف يجدون له (تأصيلاً) في أقوالهم ويرفعون له الأسانيد، ويزيدونه باستغلال ما في نفوس الناس من مظالم ودماء يعود تاريخها إلى بدايات انقلاب الإنقاذ على السلطة في 1989م وحتى المفاصلة في 1995م ولا يلتفتون الى ما بعدها (تقية) من سنوات تطاول فيها الظلم والطغيان والفساد، النوع الثاني طوفان من الكراهية السياسية، تضع اللائمة على الترابي شخصياً باعتباره مهندس انقلاب الإنقاذ وراعي سطوتها وجبروتها وتمكينها، وهو بلا شك يتحمل المسؤولية الأولى لاستيلاء حركته على السلطة بانقلاب عسكري، الكراهية السياسية، تعبير غير سياسي عن الظلم الذي حاق بكثيرين، رغم أنه مبرر لجهة انسداد أفق الحريات وانعدام أي رئة لتنفيس الغضب الذي تطاولت عليه السنوات فأصبح كراهية وبغضاء، وسواء كانت الإنقاذ هي السبب في مصائب المواطنين كما يفهمون، أو هي ابتلاءات كما يريد لها اسماً أهل الإنقاذ، لا أحد من الناس يعتقد في أن التقرب الى الله طريقه شظف العيش وقلة الحيلة إلا على الحاكمين، ولا أحد يظن أن التدهورالاقتصادي سببه تطبيق شرع الله أو الجهاد في سبيل الله، ولن ينطلي على أحد شعار هي لله .. هي لله! فهي كانت للسلطة وللجاه، فما أن بدأت بوادر المفاصلة حتى هرع (أهل الله) إلى السلطة وانحازوا للقصر، ولا شك أن أن ما حدث أجهض خطة الشيخ المضادة التي كان يعتزم إعلانها من البرلمان.
في هذه المرحلة على أهلنا في الشعبي ألا يطلبوا كثيراً وألا يتعاملوا بردود الأفعال، لاسيما إن عبر الناس عن سخطهم وغضبهم بالقول، وعليهم مساعدة الغاضبين في إفراغ غضبهم بإعلاء روح المسؤولية في تجديد اعتذارهم للشعب السوداني، هذا من أجل الوطن، بغير هذا ستسد أبواب المصالحة وينفذ ما تبقى من روح التسامح، عليهم التمسك باستعادة الديمقراطية كاملة غير منقوصة والإصرار على محاسبة الفاسدين وعدم الاستسلام لأنياب توشك على الفتك بهم، عليهم الحذر من فخاخ بث الكراهية، وقد صبروا على السلطة عشر سنين، بعد أن ذاقوا شهوتها لخمس، عليهم أن يصبروا ولا يغرنكم تهافت السلطان، فهو عليكم من الكائدين، بل أشدهم كيداً، وليعينكم الله على مصيبتكم، ولا حول ولا قوة الا بالله..