الإخوة والأخوات مستخدمي الواتساب من كافة أهل السودان ، لكم تحية من عند لله مباركة طيبة وبعد ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ للَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ الَّهِ وَجِيهًا) “ الأحزاب ، 69 “ ، لذلك نذكركم إن نفعت الذكرى أن لله عز وجل قد أثنى على العلم وأهله ورتب لمن سار في طريقه الأجر والمثوبة ، ورفع الدرجات في الدنيا والآخرة ، ومن اكرام لله عز وجل للعلماء استشهاده بهم على أعظم مشهود به وأجله وهو توحيده ، وقرن شهادته بشهادتهم وشهادة الملائكة ، قال تعالى: (شَهِدَ للّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) “ آل عمران ، 18 “ ، وقال رسول لله (ص) مبيناً مكانة العلماء في الأمة: (العلماء ورثة الأنبياء) ، والمعلوم أنه لا رتبة فوق النبوة ولا شرف فوق الوراثة لتلك الرتبة ، قال الإمام القرطبي رحمه لله: (هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم ، وأنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنه لله باسمه واسم ملائكته كما قرن العلماء) ، وقال بن رجب عن الحديث النبوي الشريف: (يعني أنهم ورثوا ما جاء به الأنبياء من العلم ، وهم خلفوا الأنبياء في أممهم بالدعوة إلى لله وإلى طاعته والنهي عن معاصي لله والزود عن دين لله).
لذلك فإن العلماء معادن كمعادن الذهب والفضة والحديد يخالط الإيمان معادنهم النفيسة فيزيدها لمعاناً وصلابة وجمالاً ، وتأتي المواقف العصيبة والكوارث الشديدة وتكشف عن أصلها الرائع ، ومادتها القيمة وتمر بها الحوادث الجسام ويظهر اريجها الفوائح وعبق الندى وعطرها الجميل ، وصدق رسول الله (ص) إذ يقول: (تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) “ صدق الرسول الكريم “ ، لذلك كان المرحوم الشيخ الدكتور التربي من هذه المعادن كما عرفناه ، وذلك إذا جد الجد وعزم الأمر تلبدت الأجواء وأكفهرت الأيام وتمايزت معادن الناس وظهر بريق هذا وخبى لمعان ذاك ، وتباينت المواقف وظهرت رجولات صلبة وعزائم شامخة وهامات سامقة ، وتوارت رسوم وهياكل لأناس تعجبك أجسامهم ، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) “ المنافقون، 4 “، وانحدار هذا الصف للناس يكون لعنة على أمتهم وزمانهم والمعادن والجواهر الكريمة لها زاد تتغذى عليه ولها وقود تضاء به ، حرص القرآن الكريم والسنة المطهرة على تقديمه للمسلم حتى يظل متوهجاً ومضيئاً وصلباً كريماً ومفكراً نجيباً ، وأول هذا الزاد الصبر الجميل الصادق الذي يوفي بالعهد ، ويقف كالطود الراسخ أمام الحوادث ، قال تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) “ البقرة ، 177 “ ، الصبر قيمة وزاد وقوة وعطاء يعرفه العلماء بتعريفات عدة كأنها تحمل هذه المعاني ، فقال المناوي: (الصبر قوة مقاومة الأهوال والآلام الحسية والعقلية) ، وقال الراغب: ( الصبر حبس النفس على ما يرتضيه العقل والشرع) ، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) “ البقرة ، 45 “ ، وقد جعل المولى عز وجل الإمامة والريادة موروثة عن الصبر واليقين ، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) “ السجدة ، 24 “ ، وسُئل الشافعي رضي الله عنه: (يا أبا عبد الله أيهما أفضل للرجل أن يمكَّن فيشكر الله عز وجل أو يبتلى بالشر فيصبر ؟ ، فقال الشافعي: لا يمكَّن حتى يُبتلى ، فإن الله تعالى ابتلى نوحاً وإبراهيم عليهما السلام ومحمداً (ص) ، فلما صبروا مكنهم ولا يظن أحداً أن يخلص من الألم البتة ، وقد أبان القرآن الكريم أن في الصبر خيراً كثيراً ، وأنه دلالة استحقاق رضا الله والدخول إلى جنته وعلامة على صدق الإيمان ، قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) “ آل عمران ، 142 “ ، (وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) “ الرعد ، 22 “ ، (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) “ آل عمران ، 186 “ ، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) “ البقرة ، 154 ، 155 “ ، لذا قد يكون الاختيار حصاراً اقتصادياً وقد يكون حصاراً حربياً ، وفي كل ذلك جوع وخوف ونقص في الأنفس من الأموال وفتنة للناس والتأليب لهم على المصلحين ، ولكن الصبر هو النجاة .. الصبر والعمل والكفاح والتعب في وسط هذه الأجواء الصلبة ، هو الخلاص والتغلب على كيد الأعداء بالصبر والجهاد في سبيل الله والعمل الصالح ، قال تعالى: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) “ آل عمران ، 120 “ ، والقلوب الحاقدة والتدبير السئ لا يثبت أمام صبر الرجال وكفاحهم ، نعم ستكون جراح الضحايا ولكنهم يألمون كما نألم ويخسرون كما نخسر ، ولكننا سنربح ولا يربحون ونفوز ولا يفوزون ، والصبر والإيمان لا يحد وجهاد أصحاب العقائد ولا ينكسر ، وهذا هو الطريق الذي لا بديل عنه والذي سعى به العلماء المخلصون فانتصروا ، قال تعالى: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ) “ الأنعام ، 34 “ ، (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) “ الأحقاف ، 35 “ ، وعليه ما أوردناه من الآيات الكريمة في هذه الآيات نقول للإخوة والأخوات وكافة أهل السودان ، وخاصةً مستخدمي تقنية الواتساب أن الأمة السودانية اليوم تحتاج في هذه اللحظة التي فقدوا فيها أحد رموزها وهو فقيد بلادنا والأمة الإسلامية الشيخ الدكتور العلامة حسن عبد الله الترابي لتضافر الجهود ، ومن هنا ندعوهم مهما اختلفنا مع الفقيد أن نواجه هذا الخطب الجلل بالثبات والصبر الصادق الذي يزلزل الأعداء ويقوي السواعد ويشد على العزائم ، وإن كان أمن السودان مستباحاً أمام ترسانة الأسلحة المهولة التي لا قبل له بها ، إلا بكفاح الصابرين والصامدين الذين لا يهابون ولا يكترثون لهذه المخططات العدوانية ضد وطنا السودان ورموزه الأوفياء بقيادة المشير البشير رئيس الجمهورية ويستطيعون تغيير سياسات تلك الدول ضد بلادنا وتبديل مخططات وتوجيهات قوى عالمية تحاول أن تستغل هذه الأزمة بتمزيق النسيح الاجتماعي للأمة السودانية من خلال وفاة الشيخ حسن الترابي ، لذلك نكرر مناشدتنا لكل أهل السودان أن يترحموا عليه ، وأن ينسوا خلافاتهم الأيدلوجية وغيرها ، وأن يتوحدوا في سبيل وحدة هذا الوطن وأهله ، حتى يعود إلى سيرته الأولى بالاستقرار والسلام ووحدته الوطنية وتعايشه السلمي ، وقال تعالى: (فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) “ الأعراف ، 87 “. اللهم إني قد بلغت .. اللهم فأشهد .. وأنت خير الشاهدين .. والله من وراء القصد.
كندة غبوش الإمام
عضو هيئة علماء السودان
صحيفة ألوان