{ يقول شيخ الإسلام الإمام “أحمد بن حنبل”: (إن جنازة المرء إما أن تكون شاهداً له أو شاهداً عليه)، وقد كان يرد على مخالفيه الرأي بقولته الشهيرة: (بيننا وبينكم الجنائز)، إذ إن إحدى علامات صلاح المسلم في حياته عدد المشيعين لجنازته، وإن بدا للبعض غير ذلك باستدلالهم بجنازات ضخمة لمن لم يعرف لهم دين من الفنانين والزعماء في أرجاء العالم، فما أدراهم بما تخفي الصدور، أو كما قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم” للصحابي الذي قتل كافراً بعد نطقه الشهادة ظناً منه أنه يتقي بها الموت: (أشققت عن قلبه؟).
{ بيننا وبينكم الجنائز.. وقد كانت جنازة الشيخ الصالح الدكتور “حسن عبد الله الترابي” صباح أمس شهادة له لا عليه، فلم أر منذ أن عرفت السير خلف الجنازات في بلادنا جنازة بهذا العدد الكثيف الذي غطى مقابر “بري اللاماب” في مشهد مهيب تنفطر له القلوب، وتنفجر منه المآقي شلالات من الدموع الطاهرات!
{ بالأمس بكى أشاوس الرجال بحرقة وحسرة وألم، كما يبكي الصغار، لا كبير عندهم غير “حسن الترابي” الذي مضى إلى ربه.. راضياً مرضياً، ولا عزيز عندهم بعد (الشيخ) الذي كافح ونافح طول حياته وعرضها من أجل (الشريعة) وإقرارها واقعاً بين الناس.. صلاة وزكاة.. جهاداً وحجاباً وتقوى.. تنظيماً ونظاماً.. ودولة.
{ وبالمقابل.. ماذا قدم (تكفيريو) جماعات السلف الضال، لدينهم في مجتمعاتهم.. صلاحاً وإصلاحاً وخيراً، عملاً يغير ما بأنفسهم قبل أن يغير الله ما بقومهم؟ لا شيء غير الضلالات والقتل والنحر وتكفير المسلمين (أشققتم عن قلوبهم) أيها المتنطعون الخوارج؟!
{ عاش “حسن الترابي” عظيماً بين الناس، فاعلاً ومتفاعلاً مع همومهم، جاهداً ومجاهداً من أجل رفعة أمة الإسلام، واستقرار أهل السودان، مات والجموع تهدر بسور (الفاتحة) و(الإخلاص) و(يس) على قبره الطاهر الأخضر، شهادة له بحسن الخاتمة وصلاح العمل والقبول الحسن عند مليك مقتدر.
{ مات “حسن الترابي” في مكتبه.. توقف نبضه هناك وهو يباشر مسؤولياته الوطنية والدينية في رئاسة حزبه، لتكون رسالته البليغة للعالمين أنه ظل يبذل العطاء من المهد، ولا يستكين لحظة وهو في الرابعة والثمانين من عمره الحافل بالعطاء المستفيض بالأمل.
{ عليك شآبيب الرحمة يا شيخنا.. تقبلك الله مع الصديقين الأولين والشهداء.
الهندي عز الدين
المجهر