أظهر حرصاً كبيراً على تحقيقه النظام الخالف.. آخر أفكار الترابي هل يرى النور أم يتوسد التراب؟

(أريد أن أطمئن على الوطن قبل أن اموت)، ما بين القوسين جملة قالها الراحل الدكتور حسن الترابي قبل أشهر.. وهي جملة ترقى لأن تكشف سر تمسك الرجل بالحوار، برغم أنه كان من أكثر المعادين لنظام المؤتمر الوطني بسبب ما بينهم من مرارات سابقة، منذ مفاصلة رمضان التي قسمت الإسلاميين إلى شعبي ووطني.

وليس خافياً على أحد أن الترابي يعد أبرز داعمي الحوار الوطني، وأكثر مناصريه لدرجة أن كثيرين ذهبت بهم الظنون إلى أن للترابي يخطط من خلال الحوار إلى سيناريو جديد، على شاكلة “اذهب إلى القصر رئيساً وسأذهب إلى السجن حبيساً”. وهي العبارة التي ظلت حاضرة فى أذهان الناس، وهو ما حفّز الكثيرين للقول بأن الترابي يهدف إلى مخطط جديد يخدم عبره الحركة الإسلامية بشقيها الشعبي والوطني. وحتى من أخذه الشطط، فقد تمحور تحليله في أن الترابي يخطط إلى إخراج أبنائه السابقين من السلطة عبر خطة محكمة بدهائه المعروف، بغية تنفيذ ما يراه برنامجاً يخدم البلاد والعباد.

في ردهات الحوار

المهم أن الترابي ذهب في الحوار الوطني إلى عمقه رغم تخلف الكثيرين كأحزاب اليسار وحزب الأمة وبعض الأحزاب المحسوبة على الحركة الإسلامية مثل حركة الإصلاح الآن ومنبر السلام العادل. بل إن مقاطعة بعض المكونات ذات المرجعية الإسلامية للحوار لم يثنِ الترابي عن المواصلة في الحوار باعتباره المخرج الوحيد للبلاد من أزماتها، بل إن الرجل الذي قال في آخر أيامه إنه يريد أن يطمئن على الوطن قبل رحيله، مضى إلى أبعد من ذلك وقام بالدفع بمقترح وأطروحة جديدة أسماها “المنظومة الخالفة”. وهو المقترح الذي نسعى إلى استقراء مصائره بعدما رحل صاحبه، فهل تموت فكرة المنظومة الخالفة برحيل الترابي، أم ذلك سبب لكي تتجمع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في كيان واحد على نحو ما ظل يشتهي الترابي الذي نذر أيامه الأخيرة لتحقيق هذا الأمر، خاصة أنه قام بتسويق الفكرة لعدد من التيارات مثل حزب العدالة بقيادة أمين بناني، وأيضاً حركة الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين.

وضع الحلول

لا زال كثير من الناس يتساءلون عن النظام الخالف الذي طرحه الترابي لوحدة صف الإسلاميين، إذ لا يبدو للعامة أي تعريف واضح لهذا النظام، وفي هذا يقول القيادي بالمؤتمر الشعبي المهندس يوسف لبس في حديثه لـ”الصيحة”: إن منظومة النظام الخالف هي فكرة لقراءة الواقع والماضي وأخذ العبرة، ووضع المقترحات للحلول في الإطار العام. ويصف لبس القيادة الحالية التي أعقبت الترابي على أمر المؤتمر الشعبي بالمدركة تماماً لفكرة النظام الخالف وأن شيخ حسن دائماً ما يحاول أن يطلع كل الذين معه على كل الأفكار والرؤى التي ينتهجها.

البعد عن الذاتية

ويصف المهندس يوسف لبس موت الترابي بالفقد الكبير على المستوى المحلي والعالمي. وعن إمكانية أن يكون موت الترابي عاملاً للم الشمل أو عاملاً للتفرقة لحزب المؤتمر الشعبي، يقول لبس: إذا أدرك الناس ما كان يعمل له الرجل ويخطط له من أجل السودان ولم وحدة الشمل والصف، سيكون موته ورحيله عن المشهد العام والمشهد الحزبي دافعاً أكبر لتماسك الناس من أجل الفكرة، وأما إذا تشتت الناس وأصبحوا يفكرون في ذواتهم الضيقة، سيكون رحيل الترابي عن المشهد عامل تشتت. واستدرك يوسف حديثه قائلاً: “الأمر يرجع إلى نفوس الناس”.

لا وراثة

وعن فكرة الوريث الفكري الذي سيخلف الترابي بعد رحيله لوضع الخطوط الفرعية لفكرة المنظومة الخالفة أو تنزيلها إلى أرض الواقع، يقول يوسف لبس إن أمر الوراثة غير مطروح وغير موجود في أدبيات المؤتمر الشعبي، وإن هنالك مؤسسات في الحزب هي التي ستعمل وفق الشورى. وعن إمكانية وحدة الحركة الإسلامية بعد رحيل الترابي، من خلال فكرة المنظومة الخالفة، يقول يوسف لبس إن السودانيين دائماً ما يجتمعون في الملمات والمحن، ولم يستبعد يوسف فكرة وحدة الإسلاميين إذا ابتعد الناس عن الذاتية وعن حظوظ النفس.

نظام جديد

ويصف رئيس حزب العدالة القومي أمين بناني في حديثه لـ”الصيحة” الترابي بالمفكر العالمي وصاحب الفكر الذي يعالج الواقع. وقال إن الترابي كان يقود الحراك السياسي طوال الـ60 عاماً الماضية، لافتاً إلى أن رحيله جاء في وقت أحوج ما يكون الناس إليه. وعن المنظومة الخالفة يقول أمين بناني إنها نظام جديد يوحد السودانيين، ويخلف المرحلة الحالية، وإن الناس متفقون على تغيير الوضع الراهن من خلال الحوار الوطني والدفع به إلى الأمام.

الوقت مؤاتٍ

ويقول أمين بناني إن الإسلاميين من الممكن أن يتوحدوا إذا سلكوا مسلك الترابي، وإن الوقت الآن مؤاتٍ لوحدة الإسلاميين في هذا الظرف العصيب، خاصة أن الترابي كان يفكر في مشروع وطني يستوعب كل القيم الكبيرة، وينطلق من عالمية الإسلام وليس إقليميته. ويضيف “بناني” أن الترابي كان منفتحاً على العالم، وكان يعد نفسه لحوار مع الحضارات لمحاربة التطرف، وأضاف: إذا تحققت وحدة السودانيين فسيكون النظام الخالف قد تحقق.

منظومة قيادة

واستبعد بناني وجود من يمكن أن يخلف الترابي فكرياً في المؤتمر الشعبي، وقال: “الترابي مدرسة فكرية متفردة، ولكن من الممكن أن تكون خلافته كمفكر في إطار منظومة قيادية من كفاءات الحزب تقود العمل داخل المؤتمر الشعبي”، ويستطرد بناني قائلاً: من الممكن أن يكون الخليفة أحد الذين عاشروا الترابي عن قرب ويعرفونه جيدا، ويحيطون بكل التفاصيل حتى لا يتأثر تماسك المؤتمر الشعبي”.

فكرة لإجماع أهل السودان

ويصف القيادي بحزب منبر السلام العادل البشرى محمد عثمان في حديثه لـ”الصيحة” الترابي بأنه أحد أفذاذ السودان الذين يصعُب أن يجود السودان بمثلهم فى القريب، لافتاً إلى أنه كان مشغولاً بوطنه ولا تشغله صغائر الأمور، ولذلك من الصعب أن يكون له وريث في المؤتمر الشعبي وأن ما تركه من إرث فكري سيشغل الناس بعد مماته كما شغلهم في حياته. ويضيف البشرى أنهم كانوا يعولون عليه لإخراج السودان من أزماته، خاصة أنه كان حتى آخر يوم من عمره في الحوار.

وعن المنظومة الخالفة التي طرحها الترابي وتبناها عبر الحوار الوطني، يقول البشرى محمد عثمان إن النظام الخالف الذي قدمه الترابي هو نظام يخلف النظام الحالي ليجمع عليه أهل السودان جميعاً، وإن الترابي أراد أن يطمئن على السودان وأهل السودان قبل أن يتوفاه الله، ويقدم لذلك رؤية لتساعد في حل مشاكل السودان جميعها. ويضيف البشرى أن من الصعب أن تجد للترابي خليفة في المؤتمر الشعبي يقوم بطرح ذات الأفكار على المستوى الفكري.

ظروف جيدة

وعن إمكانية توحد الحركة الإسلامية من جديد من خلال فكرة المنظومة الخالفة، يرى البشرى محمد عثمان أن ذلك ممكن، وأنه أمر وارد الحدوث في ظل هذا الظرف، ويضيف قائلاً: “كفى بالموت واعظاً”. منوهاً إلى أنه على القيادات السياسية في السودان أن يتفكروا في ترك سيرة طيبة للأجيال القادمة، لأن موت العظماء عبرة، ويردف قائلاً: إن السودانيين عُرف عنهم أنهم دائماً ما تجمعهم المحن والمصائب، وإن هذه فرصة مواتية للحركة الإسلامية خاصة وللسودانيين بصورة عامة للوحدة.

الوحدة ممكنة

وبدوره، تساءل نائب رئيس حركة الإصلاح الآن حسن رزق في حديثه لـ”الصيحة” عن هل الإسلاميون في حاجة إلى توحيد أنفسهم، وزاد: الآن بدأ الطرق بقوة لوحدة الإسلاميين، خاصة أن الترابي كان يريد ذلك، معتبراً مثل هذا الحديث محاولة من الذين يريدون الترابي بأن يبروه بهذه الوحدة التي كانت إحدى أمانيه”. وأضاف رزق: “حتى الذين كانوا يكرهون الترابي الآن فالرجل أصبح في ذمة الله، ولم يعد هنالك سبب لمواقفهم، والآن هنالك أشياء مشجعة لوحدة الحركة الإسلامية بالرغم من أن الآخرين سينظرون لها بعين الريبة والشك ويعتبرونها محاولة لتمديد عمر النظام، ولكن هذه أكبر فرصة لتوحد الإسلاميين، وموت الشيخ مؤكد سيؤدي إلى التقارب بين المكونات ذات المرجعية الإسلامية.

فكرة غير واضحة

ويرى حسن رزق أن المنظومة الخالفة التي طرحها الترابي غير معلنة، وقال إنه لم يقرأها، داعياً قيادات المؤتمر الشعبي لطرحها حتى يتسنى للشعب السوداني فهمها ومعرفتها.

ويذهب حسن رزق إلى أكثر من ذلك قائلاً: إن عدم إعلان المنظومة الخالفة أدى إلى تفسيرها بأشكال مختلفة والبعض يقول إنها منظومة لجمع الإسلاميين، والبعض يرى أنها لجمع أهل القبلة وآخرون يرونها على أنها لجمع السودانيين، لذلك على المؤتمر الشعبي أن يعرض هذه الأطروحة للناس لتقييمها.

ويقول حسن رزق إن موت الترابي لن يحدث مشكلة في المؤتمر الشعبي، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم مات ولم يتوقف المد الإسلامي، ولذلك فإن موت الترابي لن يؤثر على حزب المؤتمر الشعبي لأنه ليست هنالك أي صراعات واضحة بين قياداته، وإن هنالك عقلاء في الشعبي يستطيعون إخراج الحزب إلى بر الأمان.

لا داعي للنظام الخالف

ويرى المحلل السياسي الدكتور عبده مختار في حديث لـ”الصيحة” أن في هذه المرحلة الحاجة أشد إلحاحاً لعودة الحركة الإسلامية في جسم واحد لأن الانشقاق الذي تم في الحركة الإسلامية لم يقم على مبدأ، وكان محبطاً لأجيال الحركة الإسلامية، وكل الظروف الآن مهيأة لرجوعها كما كانت. وعن النظام الخالف يقول الدكتور عبده إنه لا داعي لطرح فكرة النظام الخالف لأن الواقع مبسّط، ولا يحتاج إلى تعقيد ولا يحتاج إلى مثل هذه المصطلحات، ويجب على الناس أن لا يدخلوا في هذه التفاصيل.

الالتفاف حول شخص وليس فكرة

ويرى عبده مختار أنه ليس هنالك شخص بديل للترابي وأن موت الترابي سيؤدي إلى ضعف المؤتمر الشعبي. وشبه فقد الترابي للشعبي بفقد الحركة الشعبية لقرنق بما يعنيه من كاريزما وقيادة للحركة الشعبية التي ضلت الطريق بعد موته، وكذا الحال مع المؤتمر الشعبي الذي سيفقد الترابي وسيضعف تدريجياً. وشكك عبده مختار في صمود المؤتمر الشعبي بعد موت الترابي، وقال “للصيحة”: أشك في أن يصمد أو يتماسك الشعبي بعد موت الترابي، لأن الكيان التف حول شخص، ولم يلتف حول فكرة، ولذلك سينهار تدريجياً.

وحدة الإسلاميين واردة

ويرى رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق إبراهيم الشيخ أن وحدة الإسلاميين بعد موت الترابي أصبحت قريبة وواردة بنسبة كبيرة، وأن من الممكن أن يندمج الشعبي والوطني في كتلة واحدة في الفترة القادمة.

وبدوره، أكد القيادي بالمؤتمر الشعبي عمار السجاد في حديثه لـ”الصيحة” أن الساحة السياسية السودانية في حاجة إلى اصطفاف كبير وتكتل بكل أشكاله بين إسلاميين وعلمانيين لمواجهة التحديات الكبيرة التي تحيط بالبلاد. وعن رحيل الترابي يقول عمار السجاد إن موت الترابي فقد للشعبي وللحوار الوطني، لافتاً إلى أن الرئيس مطالب بتبني مبادرة كبيرة وإتاحة الحريات، وعليه أن يوافق على الحكومة الانتقالية. وأضاف: إن موت شيخ حسن سيجعل المؤتمر الوطني يفقد الرجل الذي كان يعول عليه في فهم المتغيرات التي تحيط بالبلاد.

ويؤكد عمار السجاد أن المؤتمر الشعبي سيواصل تبني فكرة المنظومة الخالفة منوهاً إلى أن هناك اتصالات كثيرة حدثت في هذا الأمر مع الذين طرح لهم الترابي فكرة النظام الخالف وتفهموها بصورة كاملة وقدمت لهم مكتوبة وأن المؤتمر الشعبي بصفته الوريث لمنظومة النظام الخالف سيتولاها حتى يكملها. وعن أزمة البديل الفكري للترابي بعدما تم حسم مسألة البديل السياسي بتكليف إبراهيم السنوسي، يقول السجاد إنه لا خوف من حدوث أزمة فكرية في المؤتمر الشعبي، لأن هنالك أربع مدارس فكرية تجديدية بالمؤتمر الشعبي، وأن كل المؤشرات تشير إلى ثبات المؤتمر الشعبي فكرياً بعد رحيل الدكتور الترابي.

 

 

الصيحة

Exit mobile version