*كل التاريخ اليوم يصنعه الرئيس “البشير”.. وكل الأشواق والآمال والتطلعات حبيسة بين يدي الرئيس ولسانه وقلبه.. وقد توحدت المشاعر في لحظة الموت.. وتلاقت القلوب لحظة الوداع.. ومشهد ضاحية بري في شرق الخرطوم صباح أمس كان رسالة من غالب أهل السودان.. أن التيار الإسلامي وحده يصنع الحدث.. وأن الأجيال القادمة من ترفع شعارات رفعها المعلم الذي غادر الدنيا وقد جمع حوله أهل القبلة قبل الرحيل المُر.. وجمع أهل القبلة بعد الرحيل الذي أدمى الأكباد وقرح القلوب ومزق الأحشاء بمرارة الفقد.
في يوم رحيلك يا ترابي شفت كل الدنيا سوداء.. وفي يوم وداعك يا حبيبي ينتظر الملايين الذين ذرفوا الدموع في الأرض اليباب أن يغلها الرئيس ويغسل دموع (الباكيات) بقرار وحدة الإسلاميين الذي يتوق إليه الطلاب المفجعون بفتنة الخلافات.. وتهفو إليه قلوب الشيوخ وهم يتأملون في (العيش الملأ القندول).. من غير الرئيس “عمر البشير” في هذا اليوم يستطيع أن يكتب تاريخاً جديداً للإسلاميين في وطنهم ويمسح دموع الحزب وعذابات الغريق ويسمو بنفسه فوق الصغائر.. ووفاء لروح الأب الروحي.. والمفكر والقيادي الذي بزغ فكره في فضاء السودان إشعاعاً.. وأضاء ظلامات الأطراف والمدن بنور الإسلام المتجدد.
في آخريات أيام “الترابي” كان الحديث عن نهايات العمر طاغياً، والتدبر في مآلات الوضع السياسي ماثلاً.. والسمو فوق جراحات الأمس شاخصاً.. كان شعوره الداخلي في آخريات أيامه يحدثه (الدنيا ما فيها فايدة) ووحدة الوطن مقدمة على وحدة الصف الإسلامي.. وإن الوفاء بالعهود والمواثيق هو أصلاً في الدين.. أوفى “الترابي” بالنوايا المخلصة بشعار توحيد السودان من خلال مشروع الحوار الوطني حتى ظنه المتهافتون هو مشروع الترابي الأخير.. من أجل السودان لا من أجل (دنيا قد عملنا) كما يقول الشعار القديم.. فالرئيس “البشير” بيده فعل الكثير.. بإعلان وحدة الإسلاميين كشرط وجوب من أجل وحدة ما تبقى من السودان!!
*الحشود التي ودعت “الترابي” أمس بالدموع والآهات، دفنت قائدها تحت التراب ولا تزال تتمسك بمشروعها في الصدور فكيف يتحقق الأمل.. إذا كان الصف مبعثراً؟؟ ولماذا يصطرع الإسلاميون ويختلفون إن كانت السلطة فقد شبعوا منها وارتوت غرائزهم.. وأكثر من ربع قرن من الزمان دانت إليهم البلاد من الصحراء إلى الغابة.. ولا يزال الشعب السوداني ينظر إليهم بعين الأمل.. ويلتمس لهم العذر في الإخفاق.. وينتظر منهم مسح دموع الثكلى وتجفيف برك الدم وتضميد جراح الوطن قبل جراح النفوس.. وذلك أمل ليس بعيداً.. وشوقاً ممكناً.. وفي (المحنة الكبرى) يكتشف التاريخ رجالاً كباراً يكتبون في سفره بدايات جديدة.. ومن يكتب التاريخ غير الذي بيده القلم.. والبندقية وخزائن المال.. وخزائن السلاح.. وقد دانت للأخ الرئيس “عمر البشير” كل السلطة.. ولن ينازعه أحد إن فكر وقدر وقرر أن يوحد صفه القريب قبل رفيقه البعيد.. ويستطيع الرئيس اليوم إعلان توحيد المؤتمرين في حزب لن يقوده إلا “البشير”.. ولن يستطيع حمل الشعبيين على الصفح والعفو وغسل الدم بدموع الفرح إلا الشيخ “إبراهيم السنوسي” الذي أُسندت إليه أمانة كبيرة ومسؤولية تنوء عن حملها الجبال.. و”السنوسي” قريب من “البشير”.. ولكن هل يفعلها الرئيس في اليوم الرابع لرحيل “الترابي” أم في أربعينية رفع العزاء؟؟
*نعم القوى الإقليمية والدولية.. والشيوخ العرب والملوك العرب والجنرالات العرب يسوؤهم رؤية التيار الإسلامي في السودان موحداً.. ولكن الحشود التي خرجت أمس في وداع “الترابي” هي رصيد تبحث عنه أي حكومة في المنطقة؟؟ وقد يتعرض السودان لضغوط تحمله على استدامة الأوضاع على ما هي عليه الآن؟؟ ولكن “البشير” إذا عزم وقرر وقدر يستطيع أن يعبر بالمركب البحر.. ويرسى بسفينته على ضفاف المصالحة الشاملة.. واستدامة الاستقرار.. ومن ثم الخروج لأجل السودان وإعلان ميلاد عهد جديد.. وفاءً لروح “الترابي”.. أفعلها أخي “البشير” ومن غيرك على الفعل قادر.