ستفتقدون طريقته الإيحائية في الحديث، فرحيل الدكتور حسن عبد الله الترابي لا يبدو في غزارة علمه المسكوب، وبزه للأفكار السياسية منها والدينية وشروحاته لمعضلات القوانين والدستور، إذ يتفوق على أقرانه السياسيين بأداء درامي لحديثه، وهو أشد ما يجذب إليه حسب ما يرى الكثيرون، بل ربما اتخذها وسيلته للإقناع وإيصال أفكاره.
في جميع المنابر السياسية منها أو الدينية يبسط مع كل كلمة ينطق بها يديه للآخر، ويقبضهما بالتوالي مع حركة فمه، وفي مسرحه الثر يقدم الترابي محاضراته الحركية بجاذبية عالية، من النادر أن يستخدم الترابي ورقة وقلما، فيداه مستعدتان على الدوام للفت الانتباه وتكملة التعابير وقد تؤدي الإشارات وظيفة إحدى المفردات دون أن ينبسها بشفتيه، ومنح يديه حريتهما.
يقلب الترابي يديه كأنه ينقب في شيء ما في العمق، وينحت بهما على ظهر النظريات القانونية والسياسية التي يرج بها ساكن العملية السياسية، ويصد بهما الأفكار السالبة كأنهما سلاح، ويزيح بهما في مرات كثيرة الستار عن فتاويه المثيرة للجدل ويطوي بها ظلمة وطلاسم.
واصطبغت الطريقة النادرة والمشهورة لحركة يدي المفكر الراحل على تلاميذه حتى عادت تقليدا عندهم للشيخ الملهم، فالكثير من تلاميذه امتلكوا ذات الخاصية وباتوا يعبرون بها عن أفكارهم فعادت جزءا من مدرسته التعليمية، أترون إلى أي مدى لم يبخل الترابي على أنصاره بشيء؟ حتى بحواسه لإيصال رسائله السياسية منها والدينية.
صحيفة اليوم التالي