لما علِّق الحلاج على صليبه كان آخر ما سمع يدعو به: “اللهم هؤلاء عبادك يقتلونني تقربا بي إليك لولا جعلتهم إليّ أو لولا جعلتني إليك”.
ومنذ سقراط المتهم بالهرطقة وإفساد عقول الشباب، مرورا بكل التاريخ البشري كان المفكرون عرضة للتنكيل والتضييق واستنفار البسطاء ضدهم، حتى إذا ما مضت أزمان جاء لاحقون ليثبتوا لهم حقهم ويعيدوا لهم مكانتهم بعد أن أزالها تسلط حاكمين أو غيرة أنداد.
أُحرقت كتب ابن رشد ورمي أمثاله بالكفر حتى بلغنا أن كفّر البعض في السودان التجاني يوسف بشير ودفع أثمانا باهظة جراء ذلك، فقضي في ريعان الشباب قبل أن يكتشف لنا الناس أنه أقوى صوت شعري نبت في البلاد منذ أن خلق الله الشعراء والشجر في السودان.. فما قولكم لو سميت حديقة البلدية مثلا في الثلاثينيات بإشراقة؟.
حوكم أيضا محمود محمد طه بذات الطريقة؛ طريقة استثارة العاطفة على العقل، وهذه معركة غير متكافئة لأنها معركة الكثرة ضد الشجاعة.
بعض الحواريين يظلمون مشايخهم أيضا بدفاع يستخدمون فيه ذات سلاح المهاجمين وهو سلاح العاطفة المنقادة وهي أسياف عشر ودرقة رغوة.
احتككت بالعشرات من أتباع الدكتور حسن الترابي ومن منتقديه، ولم أجد من بينهم إلا القليل ممن قرأ للشيخ المفكر، وحتى من اقترب من كتبه كان ذلك بملخص من قارئ له يمدح أو يقدح.
لجبران: “قليلا ولا ترونني.. قليلا وسوف ترونني لأن امرأة أخرى ستلدني” وذلك في كتابه (المختار) وهو مختصر مجز لما بعد الترابي وغيره من المفكرين.. ممن أراد أن يكتشف لنا كأديسون الكهرباء بدون أن يركن إلى اليأس بعد أن طردوه من المدرسة لضعف التحصيل وموات الهمة كما ادعى معلمه.
وتبقى قصة الحجر الأسود بعيد موت الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما قال عمر بن الخطاب وهو يهم بتقبيله: “والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك” فقال له الإمام علي: “والله إنه لينفع ويضر”.. وعمر الفاروق كان يعبد في جاهليته الحجارة واتخذ له صنما من عجوة، وعلي ـ كرم الله وجهه ـ لم يسجد لصنم قط.