طوى رئيس حزب المؤتمر الشعبي السوداني، حسن الترابي، بوفاته، مساء السبت، عن عمر يناهز الـ84 عاماً، بذبحة قلبية، صفحة أساسية من السياسة العربية المعاصرة، وفصلاً مركزياً من تاريخ الحركة الإسلامية السياسية. وظلّ الترابي، منذ بدء نشاطه السياسي، شخصية سجالية تنقسم الآراء حولها، بين من يعتبره شريكاً في الخراب الذي حلّ بالسودان خصوصاً، من خلال المشاركة في انقلاباته، وبين من رأى فيه ظاهرة سياسية أدخلت التجديد على تيارات الإسلام السياسي في زمن حكم الحزب الواحد الذي شارك في تثبيته سودانياً مع الرئيس عمر البشير بانقلابهما في عام 1989 ضد الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة ورئيس الدولة حينذاك.
وتجمهر المئات من محبي الرجل وكوادر حزبه، فضلا عن أعضاء حزبه، أمام منزله، وتقدمهم الرئيس السوداني، عمر البشير، الذي وصل لمنزل الرجل بعد أن زاره في المشفى قبيل إعلان وفاته، وعرض نقله بطائرة خاصة لتلقي العلاج في دولة ألمانيا، إلا أن الأطباء عارضوا الخطوة بسبب تفاقم حالة الترابي.
ويعتبر الترابي أحد مؤسسي الحركة الإسلامية السودانية، وقررت أسرته دفنه في الثامنة من صباح الأحد في مقابر “بري” في الخرطوم.
ولد الترابي في عام 1932 وهو من الأسر المعروفة في السودان بالعلم والدين واللغة العربية، والأخيرة تعلمها على يد والده ذي الميول الصوفية، لذا يعرف الترابي بقدرته الهائلة على التمكن من اللغة واللعب بمصطلحاتها طوال تاريخه السياسي، حتى أن مؤلفاته يصعب على الكثيرين فهمها.
حصّل الترابي جزءاً من تعليمه في بريطانيا وفرنسا، حيث حاز درجتي الماجستير والدكتوراه، بعد تخرجه من كلية الحقوق في جامعة الخرطوم، الأمر الذي يرى مراقبون أنه أثّر في تكوين شخصيته وساهم في تكوين مواقفه السياسية والفكرية المركّبة.
وللترابي آراء فقهية جدلية قادت بعض المتشددين للمطالبة بإهدار دمه، خاصة في ما يتعلق بالمرأة، فقد أجاز إمامة المرأة للرجل في الصلاة، فضلاً عن زواج المسلمة من يهودي أو مسيحي، إلى جانب تشكيكه في صدق بعض الصحابة وموثوقية صحيح البخاري.
وفي 1991 أنشأ المؤتمر الشعبي الإسلامي، والذي جمع الحركات الإسلامية من الدول المختلفة وممثلي المنظمات الإسلامية في الغرب، فضلاً عن المجموعات الراديكالية العربية، كحزب البعث العراقي والحزب الاشتراكي اليمني، وبعض المنظمات الفلسطينية، بما فيها اليسارية واليمينية، وانتخب وقتها أميناً عاماً للمؤتمر.
في العام 1998، خرج الترابي من السلطة عقب المفاصلة الشهيرة مع نظام البشير، ليقود معارضة شرسة ضد أقرانه، وشهد إقليم درافور حرباً أهلية قيل إن الترابي كان مهندسها، إذ يتمسك الحزب الحاكم بتبعية حركة العدل والمساواة لحزب الترابي باعتبارها الجناح العسكري له.
وبعد 15 عاماً من الانفصال، عاد الترابي أخيراً إلى أصدقاء الأمس في السلطة، عبر دعوة البشير للحوار الوطني التي سارع لتأييدها والمشاركة فيها تمهيداً لعودة الحزبين، وطرح الترابي مسودة لاتفاق أطلق عليه “النظام الخالف”، قصد منه توحيد الإسلاميين من جديد وعمد في أكثر من مجلس إلى بث آماله بجمع صفوف الإسلاميين وتحسين صورتهم قبل مفارقته الحياة.
الخرطوم ــ العربي الجديد