لإنسان الشرق ميزة لمسناها خلال وجودنا هناك، إنه وفي لمن قدم له ولو من باب الخدمة العامة، الناجح عندهم من يتفقد أحوالهم ويقف على مشاكلهم، لذلك كلما ذكرت اسم “أيلا” ارتفعت حناجرهم بالضجة المؤيدة له، وهذه ليست حالة خاصة بالرجل، فخلال لقاء في سواكن، هتف الناس باسم جلال الدين محمد شيلية وجلال هذا هو مدير الموانئ البحرية، لم يكن للرجل موقع مباشر ذو صلة بحياة الناس هناك، فهو مسؤول عن جهاز حكومي محدد المهام والواجبات، لكنه حسب ما يقول المواطنون قدم لهم الكثير في شأن قضاياهم اليومية.
يقول الناظر سيد محمد الأمين ترك مخاطبا نائب رئيس الجمهورية حسبو عبد الرحمن قائلا: “نرجوكم أن تتركوا لنا السيد جلال لفترة أخرى في رئاسة الموانئ لأن الرجل ينتظره الكثير”..
وعلاقة المواطن بالمسؤول كان هو الهم الذي يحمله نائب الرئيس كلما جلس إلى مسؤولين أقل، يقول حسبو عن نفسه: “لا أحب التقارير الجاهزة التي تعرض في المكاتب وأفضل دائما الذهاب إلى الميدان للوقوف على الحقائق لأن ذلك يغني عن عشرات التقارير”، وهذا ربما ما يجعل زيارات النائب إلى الولايات (متعبة) لكونه يحرص على معرفة كل شيء ولا يستطيع الوالي أو أي وزير الإدلاء بحديث فيه شيء من المبالغة لأن النتيجة أن يطلب منه النائب بيانا بالعمل بصورة مباشرة.
جلس مسؤول في إحدى الهيئات الحكومية جواري في قاعة مجلس وزراء حكومة البحر الأحمر، وقتها كان لقاء النائب بحكومة الولاية قائما، جاء الرجل لتوه بعد مضي وقت غير قليل من بدء الاجتماع لكنه فيما يبدو كان غير جاهز للإجابة على الأسئلة المتوقعة، سيما وأنه كان شاهدا على زميل له مر بمنعطف قاس من “البهدلة” الرئاسية، فالنائب بدا أنه لا يرحم.. قال للمسؤول: “شغلك ما نضيف وإذا لم تستطع تقديم أفضل فنحن عندنا كلام تاني”، وأضاف: “بلغ رئيسك في المركز بذلك”، أخرج المسؤول الآخر ورقته وانخرط في عملية عصف ذهني يسجل في الأرقام ويمسح ويراجع حساباته واستعان بآخرين خارج القاعة عبر (الواتساب).. كان اللقاء ساخنا استدعى النائب على وجه الدقة مسؤولين كانوا غيابا على رأسهم مدير بنك السودان المركزي، مسؤول التأمين الصحي وديوان الزكاة، والسبب لأن الوزراء يدلون بمعلومات في حاجة إلى تأكيد من الشق الآخر لأن العملية برمتها تمضي في سياق واحد.
وما قيل في الاجتماع أوضح أن ولاية البحر الأحمر تملك الإمكانيات التي تؤهلها لأن تعتمد على نفسها وترفد الآخرين لكنها تعاني الآن من الفقر ونقص في الأموال والصحة، ريفها البعيد يقبع في مستنقع بحاجة إلى مجهودات للخروج منه، على سبيل المثال مدينة طوكر التي تبعد بضعة كيلومترات عن حاضرة الولاية بورتسودان، تمثل نموذجا لذلك، زيارة النائب إلى المنطقة كشفت الغطاء أمام الرئاسة لتقديم المطلوب، فحسبو أكد في كلمته أمام الاحتفال الجماهيري أن الرئاسة تبدي اهتماما بالغا بالريف وضمنه طوكر، واضاف: “نريد أن تعود طوكر أفضل من السابق في الإنتاج والإنتاجية” بيد أنه دعا أهل المحلية إلى التضافر من أجل ذلك، وزاد: “الكورة في ملعبكم إما تشوتوها وتجيبوها قون أو تخرجوا من الدوري”.
في وقت قال فيه علي أحمد حامد والي البحر الأحمر إن الولاية بدأت في إزالة المسكيت من أجل زيادة الرقعة الزراعية وإعادة طوكر لسيرتها الأولى، مشيرا إلى أن مساحة المشروع 400 ألف فدان بالإمكان الاستفادة منها في مشروع طوكر، وأعلن التزامه بتوفير التقانات، لكنه اشترط لذلك تقنين المشروع، وأضاف: “أتيت للولاية بشعار التغيير وفق منهج محدد”، منبهاً مواطني طوكر بأن الخطوة منهم ستقابلها خطوات من حكومته لإحداث التغيير المطلوب، مؤكداً أن المرحلة المقبلة للعمل والإنتاج حتى تعود طوكر لعهدها الذهبي.
الأمر الملاحظ في طوكر وفقا لمخرجات الزيارة أن المواطن يشكو مر الشكوى من مسألة عدم وجود منافذ لتسويق المنتجات الزراعية التي ينتجها في الأراضي الخصبة، فكانت مطالبهم في طوكر إيجاد تسويق لمنتجاتهم الزراعية حتى يتم إنعاش الأوضاع الاقتصادية لمواطني المحلية وغيرها من المحليات.. ويبدو أن نائب الرئيس انتبه إلى ذلك عندما وجه بضرورة أن تكون الجمعيات الزراعية من المزارعين وليس السياسيين أو السماسرة حتى يتم تسويق المنتجات بصورة سليمة ومفيدة للجميع، ودعا حسبو المواطنين إلى ترك “المماحكة” والتعاون مع الحكومة لتسجيل وتقنين الأراضي بالمشروع وأضاف: “نريد أن نسجل لكم الأراضي ونمنحكم شهادات وسنخاف الله فيكم” لافتا إلى أن الحكومة نذرت نفسها لنصرة المظلوم وقال: “دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب”، وزاد قائلا: “مافي تهميش ومافي زول مهم والتاني غير مهم، جميعنا سودانيين ولنا حقوق وعلينا واجبات”..
من ضمن البرامج المصاحبة في طوكر كان افتتاح مشروع الإسكان الشعبي وتدشين بناء (500) وحدة سكنية فضلا عن كهرباء طوكر وسفلتة (17) كليومترا وهو ما تبقى من الطريق الرابط بين بورتسودان وطوكر.
الموانئ تمثل قلب الشرق النابض، لكونه يرقد على ساحل يمتد من مصر شمالا وحتى أريتريا، منشآت الموانئ تتزاحم على الساحل، آليات متدفقة وحاويات تتراكم فوق بعضها البعض، وسفن في المراسى تنتظر، زيارة النائب إلى الميناء كانت بغرض معرفة تفاصيل المشاكل التي تواجه أكبر الموانئ في البلاد، في اجتماع مع إدارة الموانئ في مقرها ببورتسودان، قدمت الإدارة تقريرا شاملا ومفصلا عبر شاشة العرض أمام النائب، وكشفت فيه عن بعض الصعوبات من بينها رفض بنوك صينية استلام تحويلات مالية بطرف الهيئة مما أدى إلى تأخر عمليات الشحن، وأكدت أن توفير قطع الغيار من الخارج يمثل أكبر تحد للهيئة، لكن حديث باقي الجهات المعنية والشريكة في الموانئ كشف عن تعارض في العمل وهو ما يؤدي إلى تأخر التخليص والإجراءات، مما دعا النائب إلى استنكار ذلك التعارض بسبب جهة من تلك الجهات، وأضاف متسائلا: “ليه هذه الجهات ليس بينها تنسيق وتعمل على معاكسة بعضها وجميعها مؤسسات حكومية؟.. الحكومة في مرات كثيرة تعاكس نفسها”، داعيا إلى إحكام التنسيق بين كافة الجهات المعنية بقضية الصادر والوارد، وكشف في ذات الوقت عن شكاوي تلقتها الرئاسة بسبب بطء الإجراءات الإدارية وحث على معالجة المشاكل الإدارية التي تعوق حركة الموانئ البحرية، وأضاف: “لابد من العمل بنظرة شاملة لكافة جوانب القضية ومن كل الجهات سواء كانت الموانئ أو الجمارك والمواصفات أو الحجر الصحي وغيرها”، منوها إلى أن أي تعطيل من أي وحدة من تلك الوحدات بإمكانه إعاقة مصالح البلاد،، وأقر نائب الرئيس بأن هناك إشكالات إدارية شدد على ضرورة معالجتها بشكل واضح وشفاف تسهيلا لعملية الصادر والوارد.
التحدي أمام حكومة البحر الأحمر يتمثل في المياه، وهي مشكلة قديمة، يحاول علي حامد الوالي الجديد إيجاد مدخلا يقلل من حدة الأزمة عبر حفر بعض الآبار، وعطفا على ذلك قرر إنشاء مصنع في المدينة خاص بمستلزمات المياه لأن الرجل حسب ما قال يريد أن يوطن صناعة المياه، فضلا عن نيته إنشاء محطة للتحلية من البحر الأحمر قال إن تكلفتها حوالي 20 مليون دولار، وفي اجتماع وزراء الحكومة وجه نائب الرئيس صندوق الشرق بتبني محطة التحلية والشروع في إنشائها بالتعاون مع الجهات ذات الصلة.
آدم محمد أحمد
صحيفة اليوم التالي