لم يعلم كل من سمير الحجار ونافع كردي، البالغين من العمر 20 عاماً، حين قَدِما من سوريا هرباً من الحرب، أن أيامهما في برلين ستكون بهذا الانشغال، ففي الأيام السابقة قاما بإصلاح مصابيح الإضاءة وإعطاء دروس في الرياضيات لطلاب المرحلة الثانوية، بالإضافة إلى دروس الجيتار واللغة العربية للألمان في مدينتهم الجديدة.
كان الصديقان قد جاءا من دمشق العام الماضي هرباً من الحرب، وهما لا يقومان بهذه الأعمال بحثاً عن المال، بل يساعدان في طلاء البيوت أو نقل الأثاث دون مقابل.
موقع Vocativ الأميركي نقل، الجمعة 4 مارس/آذار 2016، عن سمير الحجار قوله: “نحن ممتنون لوجودنا في هذه المدينة، لذلك أردنا أن نصبح جزءاً منها”.
وكان الحجر قد كتب على فيسبوك في إحدى المجموعات الألمانية التي تضم حوالي 65 ألف عضو، مُعرّفاً نفسه هو ونافع باعتبارهما لاجئين سوريين، وأضاف: “لدينا الكثير من وقت الفراغ أثناء انتظارنا أوراق اللجوء، ونود المساعدة في رد بعضٍ من الجميل لهذه المدينة الجميلة التي أعطتنا فرصةً أخرى للحرية والأمان؛ لذا إن أراد أحدٌ مساعدةً ما فبالتأكيد سنكون متواجديْن”.
وقال الحجار في تعليق له على فيسبوك: “مرحباً يا أهالي برلين، أنا وصديقي نافع لاجئان من سوريا نعيش في برلين؛ ونظراً لأن أوراقنا ستستغرق وقتاً ولن يتسنى لنا العمل دون موافقة، قررنا بما أن لدينا الكثير من وقت الفراغ أن نعلن عبر هذه المجموعة أننا جاهزان وعلى استعداد للتطوع بوقتنا لكي نكافئ هذه المدينة الجميلة التي منحتنا دفء نهار آخر من الحرية والأمان”.
وتابع: “لذا إن كنتم بحاجة للمساعدة في أي شيء لنقل أغراضكم مثلاً أو طلاء ودهان حوائطكم أو تنظيف سراديب منازلكم، نحن لها! إن استعصى عليكم سؤال في الرياضيات أو الفيزياء أو الكيمياء، فنحن أيضاً لها (لأننا طلبة هندسة). إن أردتم عزف ومزج الموسيقى، نستطيع الانضمام لكم لأننا نعزف البيانو والغيتار، وإن أردتم الفضفضة والدردشة، فنحن لها أيضاً”.
وأضاف: “رجاءً خذوا راحتكم في إضافة صداقتنا أو متابعتنا لكي تعرفوا المزيد من أخبارنا نحن اللاجئين في برلين. أرسلوا لي رسالة خاصة أو تعليقاً على هذه المشاركة إن شئتم الحصول على أي مساعدة، فنحن دوماً في الخدمة.
وقتنا في خدمتكم.
مع نافع كردي”.
والقصة التي بدأت كمحاولة للتخلص من الملل، تحولت إلى تجربة اجتماعية مثيرة بعد أن راسلهم ما يقارب 400 شخص في الأيام الأولى، أراد بعضهم الاستفادة من عرضهم المساعدة، بينما عرض البعض الآخر تعريفهم بالمدينة، وطلب العشرات صداقتهم على فيسبوك.
وكما قال كردي: “أراد بعضهم أن نساعدهم، بينما أراد آخرون أن يساعدوننا، لقد دَعونا للعشاء وللحفلات مما فاجأنا”.
ففي الأسبوع الماضي مثلاً، شاركنا في أحد نوادي العشاء التي تُعقد بانتظام، وجربنا بعض الأطعمة للمرة الأولى، وكانت “رائعة”، كما قال الحجار.
ما بين دروس تعليم اللغة، وتنظيف الأقبية، حدثت المغامرات، فانتهت إحدى النزهات مع موسيقارٍ ما وسط الغابة، بينما تحول إصلاح المصابيح لأحد الأزواج إلى ليلة موسيقية، عزف فيها الصديقان السوريان بعض الأغاني الغربية، وكان سمير ونافع قد عزفا أغاني بعض فرق الروك في المدرسة الثانوية حيث بدأت صداقتهما، التي استمرت مع التحاقهما بجامعة دمشق سوياً لدراسة الهندسة.
مبادرة الشابين السوريين لاقت استحساناً على الشبكات الاجتماعية، وكتب متابعون ألمان تعليقات إيجابية بشأن المساعدة التي تلقوها من الحجار وكردي.
وقالت نيرا كول على فيسبوك: “سامر حجار ونافع كردي قاما بمساعدتنا في إصلاح 6 مصابيح البارحة، وانتهى الأمر بجلسة عزف موسيقية. أنصحكم بلقاء هذين الشابين وسماع قصصهما وأخبارهما. آمل أن نراكم مجدداً يا شباب!”.
لكن الصراع المتصاعد في سوريا أعاق دراستهما، فلم يعد بإمكانهما الشعور بالأمان، وقال نافع إنه قد تم قصف الجامعة عدة مرات.
“كان الوضع يزداد سوءاً، فقررنا الرحيل”، بحسب ما قاله سمير الحجر. وترك الثنائي دمشق أكتوبر/تشرين الأول الماضي، متخذين طريق البلقان وهو أحد مسارات الهجرة المعروفة، ليصلا إلى ألمانيا بعد 9 أيام، حيث أقاما معاً منذ ذلك الحين في أحد معسكرات اللاجئين بملعب قديم في برلين، ثم انتقلا إلى إحدى الشقق المفروشة التي توفرها الحكومة، ليتشاركا السكن مع بعض الأشخاص الآخرين.
يعبّر سمير ونافع عن رغبتيهما في مواصلة دراسة الهندسة في ألمانيا بمجرد الموافقة على طلبات اللجوء الخاصة بهما، وحتى ذلك الحين، فجدولهما يمتلئ بسرعة، حيث اتفقا على مساعدة شخصٍ ما في العمل على سقف بيته، ومساعدة إحدى العجائز للاعتناء بحديقتها، بالإضافة إلى مقابلة أصدقاء جدد والتعرف عليهم، ورغم بعض المواقف الغريبة التي تقابلهما إلا أنهما في مزاج جيد.
هافينغتون بوست عربي | ترجمة