بوركينا فاسو.. نحو “طلاق بائن” بين الجيش والسياسة

القطع نهائيا مع التداخل بين الجيش والسياسة، يشكّل موضوع هيكلة مرتقبة للقوانين المنظمة لمهام المؤسسة العسكرية في بوركينا فاسو.

إصلاحات ترمي إلى وقف ظاهرة تعدّ بوركينية بامتياز، تاريخيا على الأقلّ، وهي التداول القسري على السلطة في هذا البلد الإفريقي الذي يشي تاريخه المعاصر، وتحديدا منذ استقلاله في 1960، عبر الإنقلابات العسكرية.

وبحسب مصدر سياسي مطّلع، فإنه من المنتظر أن تشرع وزارة الدفاع والمحاربين القدامى في بوركينا فاسو، قريبا، في وضع مخطّط استراتيجي يشمل الفترة الممتدة من 2017 إلى 2021، لهيكلة “القوات المسلحة الوطنية”، مضيفا للأناضول أنه من المنتظر أن يعهد بهذه المهمة إلى 7 لجان فرعية.

وفي تصريح للأناضول، أوضح الأمين العام للوزارة المذكورة، العقيد الحسن مونيه، أنّ هذه الهيكلة تهدف إلى “تمكين جيشنا من العودة إلى مهمّته الأصلية، وذلك من خلال إخضاعه لمتطلّبات دولة القانون الديمقراطي والجمهوري، حيث تتجسّد قيم المسؤولية والنزاهة والحوكمة الفاضلة في أكمل معانيها”.

7 انقلابات عسكرية شهدها التاريخ المعاصر لبوركينا فاسو، وتحديدا خلال فترة ما بعد الإستقلال، وتعتبر، بحسب محلّلين وخبراء، نتاجا بديهيا لعقود من التدخّل العسكري في السياسة، حتى أنّ 6 من جملة الرؤساء الـ 9 الذين عرفتهم البلاد ينحدرون من الجيش.

ففي الخامس من أغسطس 1960، أصبحت “فولتا العليا” (بوركينا فاسو) جمهورية مستقلة برئاسة موريس ياميوجو رئيس حزب التجمع الديمقراطي الإفريقي، والذي سرعان ما أصبح الحزب السياسي القانوني الوحيد بالبلاد، بعد قمع المعارضة. وبحلول يناير 1966، أضحت البلاد غير راضية عن حكم ياميوجو، خصوصا بعد أن أقرّت الحكومة سياسة التقشّف المالي، وهو ما دفع باتحاد نقابات العمال إلى الإضراب العام احتجاجا على عدم أمانة الحكومة. وخلال الاضطرابات، وأمام عجز ياميوجو عن احتواء الاحتقان الجماهيري، استولى الجيش على الحكم وأصبح الجنرال أبوبكر سانجولي لاميزانا رئيسًا للدولة.

بعد ذلك بسنوات، وحين أتى الجفاف على آمال المزارعين، دعت أربعة من النقابات الأساسية للتعليم إلى إضراب الأساتذة احتجاجا على القرارات التعسّفية التي طالت زملاءهم.. ثمّ سرعان ما توسّعت الاحتجاجات لتشلّ جلّ القطاعات بما فيها الحكومية منها بسبب استشراء المحسوبية والفساد. وفي الخامس والعشرين من تشرين الثاني من سنة 1980، انتشرت قوات اللجنة العسكرية للتغيير من أجل التقدّم الوطني في المواقع الساخنة بواغادوغو، تمكّن على إثرها العقيد سايي زيربو من الإطاحة بالرئيس لاميزانا واعتلاء السلطة.

عامان بعد ذلك، أي في 1982، انفجرت أزمة في اللجنة العسكرية للتعديل من أجل التقدم الوطني وضع شقّيها في المواجهة. الأزمة انتهت بانقلاب حمل توماس سانكارا إلى السلطة، غير أن الأخير أفسح المجال إثر ذلك للطبيب الرائد جان- بابتست أويدراوجو لتقلّد مهام الدولة رغم افتقاره إلى الخبرة السياسية وافتقاده للخلفية الايديولوجية.

وفي 4 أغسطس/ آب 1983، وبعد اتّهامه بـ “خدمة مصالح الهيمنة الأجنبية والاستعمار الجديد”، عزل الرئيس أويدراوجو شيئا فشيئا في “مجلس تحية الشعب”، وهو ما منح الفرصة للوزير الأوّل الأسبق توماس سانكارا (والذي لعب دورا في انقلاب 1982) للإطاحة بالحكومة العسكرية بواغادوغو. العملية أسفرت عن 13 قتيل و15 جريحا، وعن ميلاد “المجلس الوطني الثوري” حاملا معه وعودا بالاصلاحات الديمقراطية والاجتماعية وسياسة خارجية مناهضة للأمبريالية.

وفي 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1987، اندلعت مواجهات عنيفة في ما عرف لاحقا بيوم “الخميس الأسود” بالقصر الرئاسي بين الموالين والمتمرّدين. المواجهات انتهت بمقتل سانكارا وبانقلاب حاكه مستشاره الرئيسي ورفيقه في السلاح بليز كمباوري. تمّ فرض حظر التجوال وحلّ المجلس الثوري. أيام بعد ذلك، أعلن طبيب عسكري عن وفاة سانكارا بطريقة طبيعية، واتهمه بعدها كمباوري بـ “خيانة روح الثورة” قبل أن يتولى السلطة.

وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، وعقب 27 عاما من الحكم، أجبرت انتفاضة شعبية كمباوري على الاستقالة، وذلك لدى محاولة الأخير تعديل المادة الدستورية التي تقف حائلا دون رجوعه إلى القصر الرئاسي من جديد. ومع رحيل كمباوري، عين ياكوبا إسحاق زيدا رئيسا مؤقتا للبلاد.

وفي 16 سبتمبر/ أيلول الماضي، حاول فوج الأمن الرئاسي الموالي للرئيس السابق (كمباوري) الإطاحة بالرئيس الإنتقالي ميشيل كافاندو، ضمن محاولة انقلاب انتهت بالفشل وبعودة المؤسسات الانتقالية إلى إدارة شؤون البلاد.

مسار حافل بانقلابات يرى خبراء أنّه لم يكن وليدة الصدفة، وإنما شكّل النهاية المنطقية أو التسلسل المنتظر للتداخل بين الدولة والمؤسسة العسكرية، في ظل غياب قواعد لا غنى عنها في الحوكمة الرشيدة. تداخل عقّب عليه العقيد مونيه بالقول، خلال مؤتمر صحفي حول “الجيش والسياسة”، المنعقد مؤخرا في واغادوغو، إنّ “الجيش الوطني كان دائم الحضور في إدارة سلطة الدولة، وذلك منذ تأسيسه في الثالث من أغسطس (آب) 1960 (…) وهذا التدخّل للجيش في المجال السياسي ساهم في تسييس المؤسسة العسكرية، وفي فقدان بعض القيم الجوهرية، وهذا ما يشوّه، في معظم الأحيان، الإدراك والروح العسكرية التي ينبغي أن يتحلّى بها الجندي”.

وأضاف خلال المؤتمر نفسه والذي نظمته وزارة الدفاع البوركينية أنّ “الروح العسكرية تعرّف على أنها “وهب النفس بشكل حصري لخدمة الأمّة والدفاع عن البلاد، وطاعة رؤساء العمل، وعدم عصيان السلطة القانونية”.

من جانبه، أوضح الأستاذ المحاضر المختص في العلوم السياسية، أوغستين لاوودا، أن التداخل بين الدولة والجيش يفسّر في المقام الأوّل بإنقسام الطبقة السياسية، ذلك أنه “حين نلقي نظرة على تاريخ بلادنا، فسندرك حتما أن الطبقة السياسية لطالما لجأت إلى الجيش لجعله حكما في مختلف أزماتها عوضا عن سعيها إلى حلّ خلافاتها الداخلية”.

لاوودا أضاف، في حديث للأناضول، أنّ “المعضلة انطلقت منذ “الثالث من يناير/ كانون الثاني 1966، حين تم استدعاء الجيش للتدخل لفائدة الانتفاضة الشعبية. فمنذ ذلك الوقت، لم يتوقّف العسكريون عن لعب دور الحكم، وكلّما ساءت الأوضاع في البلاد، يقع اللجوء إلى المؤسسة العسكرية”.

“أما السبب الثاني”، يتابع الخبير، فيتعلّق بـ “ضعف الأداء الإجتماعي والإقتصادي للأنظمة الدستورية، وهذا ما يفسّر حقيقة أنّ جلّ الإنقلابات التي شهدتها البلاد جرت في سياق اقتصادي يتسم بنسب نمو تكاد تكون معدومة.

عامل أخير يهمّ هذا الجانب لفت إليه لاوودا قائلا إنّه يكمن في ضعف التهديدات الخارجية، والتي لا تفرض على العسكريين الانتشار خارج البلاد، فـ “طبيعة البشر تمقت الفراغ، ولذلك يتوجّه الجيش نحو الإهتمام بالمسائل والقضايا المحلية”.

واغادوغو/ أولمبيا دي مايمونت/ الأناضول

Exit mobile version