مث
هو مسلسل الغلاء الذي لم تستطع حكومة ولا مجتمع، ولا فرد السيطرة عليه، وهو مسلسل ليست لحلقاته نهاية، وستظل مستمرة ما لم تحدث معجزة، لآن كل السبل والوسائل السياسية والاقتصادية استخدمت واتبعت لإيقاف هذا الغول فاغر الفم الذي يلتهم كل قرش في الجيوب، ويزدرد كل مشروع للإصلاح، وهو دافع من دوافع الفساد العام.
أسباب الغلاء وارتفاع الأسعار كثيرة، وتعاني منه شعوب عدة، لكن المعاناة الأكبر تكون وسط الشعوب الأفقر، والفقر هنا ليس بالضرورة أن يكون شح موارد، بل قد تكون هناك وفرة في الموارد، لكن عدم استغلال تلك الموارد، يجعلها في حكم المعدومة، وعدم استغلال الموارد مثلما هو في حالة بلادنا يعود للخطر الاقتصادي المفروض علينا من قبل “الولايات المتحدة الأمريكية” بدعوى حصارها للنظام الحاكم في السودان، في حين أن المتضرر هو الشعب السوداني كله لا الحكومة.
سياسات عديدة انتهجتها الحكومة، وجهود كثيرة بذلتها في مواجهة هذا العدو اللدود، لكن ذلك كله كان يتبدد مثل الدخان في الهواء.
منذ سنوات كانت مؤشرات ارتفاع الاقتصاد العالمي واضحة، فعندما تجاوز سعر برميل النفط ستين دولاراً والذهب أكثر من سبعمائة دولار كمستوى اقتصادي جديد يتسبب تجاهله كما يقول الخبراء في تآكل الطبقة الوسطى، وقد تأكد ذلك بارتفاع البترول والذهب إلى الضعف مما أدى إلى دعم مستوى اقتصادي صمد أمام الأزمة العالمية الأخيرة، لكن ذلك لم يستمر كثيراً، إذ هبطت أسعار النفط إلى ما دون الخمسة وعشرين دولاراً مما أدى إلى انخفاض قيمة عملات الدول المصدرة له، وتأثرت بذلك عملات البلدان الأخرى المرتبطة بها.
رغم تصريحات السيد وزير المالية والاقتصاد الوطني عندما قدم الموازنة الأخيرة والتي أكد من خلالها على عدم رفع الدعم عن أية سلعة أو خدمة، إلا أن أسابيع قليلة فصلت ما بين ذلك القول، والفعل المخالف له، إذ سرعان ما تضاعفت أسعار الغاز، وتحمل المواطن ذلك وهو مصدوم، وقبل أن يفيق من صدمته تلك، فوجئ بزيادة ومضاعفة أسعار خدمة الإمداد المائي، وغاب وزير البنى التحتية بولاية الخرطوم المهندس “أحمد قاسم” عن المشهد قبيل إعلان تلك الزيادات بما يشي بأن هناك (أخذ ورد) ووجهات نظر مختلفة أدت إلى استقالة الوزير (لأسباب صحية وخاصة)، وقد لزم الصمت (النبيل) ولم ينبس ببنت شفة حول هذا الأمر.
لا نستبعد زيادات أخرى في أسعار بعض السلع والخدمات، ونتوقع أن تتم زيادة أسعار المحروقات قريباً جداً في إطار تطبيق رفع الدعم نهائياً عن السلع، إلى جانب زيادة أسعار الكهرباء.
نتوقع ذلك لكننا نقول: (الله يكضب الشينة).. و(الشينة) قطعاً (منكورة) في عرف متخذي القرار.. ولكن (المصيبة الكبرى) التي تطل برأسها هي انخفاض قيمة العملة الوطنية أمام الدولار، وهو انخفاض مستمر جعل جنيهنا المسكين يفقد قيمته (ألف) مرة بالتمام والكمال منذ العام 1989م عندما كان سعر الدولار (12) جنيهاً وأصبح الآن مضروباً في ألف.