{ تناقض الدولة ذاتها وما أعلنت من سياساتها، عندما تقرر إيقاف الحج لبيت الله الحرام عن طريق وكالات السفر والسياحة، فقد ظل السيد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي يردد كثيراً خلال الآونة الأخيرة بأن الحكومة ستخرج من كل المجالات والمتاجرة في كل السلع التي يمكن أن يستجلبها أو يعمل فيها (القطاع الخاص).
{ خرجت الحكومة من دائرة استيراد الغاز وتخلت عن مسؤولياتها لصالح شركات قطاع خاص، وقررت كذلك فتح الباب واسعاً للشركات لاستيراد المواد البترولية بما في ذلك (الفيرنس)، ورفعت الحكومة يدها عن دعم القمح ودقيق القمح بنسبة تقارب الـ(100%) إذ صار دولار القمح (6) جنيهات وهو أدنى من السعر الرسمي للدولار بكسر من الجنيه، بينما كان قبل شهور (2.9) جنيه أي أقل من نصف السعر الحالي!
{ وزادت حكومة ولاية الخرطوم فاتورة المياه إلى (86) جنيهاً اعتباراً من هذا الشهر، زائداً رسوم خدمات على فاتورة الكهرباء والمياه المشتركة تبلغ (18) جنيهاً بالإضافة إلى جنيه ونصف الجنيه رسم دمغة، ليصبح المجموع (105) جنيهات، وبعد سداد هذا المبلغ يبدأ المواطن في طلب كمية الكهرباء التي يريدها (حسب قدرتك وتلاجاتك ومكيفاتك)!!
{ في ظل هذا الوضع (الانسحابي) المستمر للحكومة من قطاعات مختلفة بما فيها الصحة والتعليم الأساسي، لا معنى لأن (تحشر) الحكومة أنفها في موضوع السفر سواء للحج والعمرة.. أو للسياحة في جزر “ألبهاما” أو “المالديف”!!
{ هل يعمل وزير الإرشاد والأوقاف حديث العهد بالاستوزار، بسياسة أخرى غير التي يتخذها وزير المالية ومجلس الوزراء؟! (ولّا عشان الحج فيه رسوم وقروش بالمليارات؟!).
{ يعني باختصار (الحتة الملبنة- من اللبن- زي الحج والعمرة، الحكومة ما بتطلع منها.. أما الحتات الناشفة العاوزة دعم وتوفير عملة صعبة زي الغاز والدقيق والدواء وورق المطابع.. الحكومة تمرق منها وتخليها للقطاع الخاص)!! لعمري هذا اهتزاز في (القيم) وليس السياسات وحدها، فكيف تكون الدولة إذن قدوة للمجتمع في الانضباط القيمي والالتزام الأخلاقي بما تخطه من سياسات وقرارات غض النظر عن مواقع (الإيرادات)!!
{ صحيح أن وكالات السفر، ومجاراة للوضع العام في البلد، صارت تزايد وتمارس التربح المغالي بصورة مزعجة خاصة إذا كان الأمر متعلقاً بالحج والعمرة، وهي سياحة (روحية) لهم الأجر فيها عند الله مضاعفاً إذا أحسنوا وجوّدوا خدماتهم وخففوا عن الناس تكاليفها، فكيف يستقيم أن تصل تكلفة الحج الخاص إلى (60) ألف جنيه والسودان من أقرب الدول جغرافية للأراضي المقدسة، ولا تزيد رحلة الطيران عن ساعة ونصف الساعة؟! بلا شك هي مزايدات وأطماع.. و(الطمع ودر ما جمع) ولهذا حلت بالوكالات هذه الطامة.
{ ولكن هل الخلل في الوكالات فقط؟ هل أداء بعثة الحج ممتاز و(عال العال)؟ إذا قال الأخ “المطيع” مدير الحج والعمرة ذلك فإنه يكون قد جانبه الصواب، وما أظنه يدعي الكمال والتمام لهيئته.
{ إذن هناك خلل مشترك.. أطرافه مختلفة بما فيها (بنك السودان) الذي يتسلّم أموال الحجاج بالمليارات ويعجز عن توفير ما يقابلها بالريال السعودي لمتعهدي الخدمات من فنادق وترحيل وطعام، فتكتم هيئة الحج والعمرة المعلومات و(تقطعها في مصارينها) وهي تحتمل احتجاجات الحجاج ونقد الصحف الساخن كل عام، إذ تتسلّم الفنادق ومتعهدو الخدمات في السعودية مستحقاتهم على الهيئة بعد أشهر من انتهاء موسم الحج، وأحياناً مع اقتراب الموسم الجديد!!
{ أعيدوا لوكالات السفر حقها في تسفير المواطنين للحج، فليس من حقكم أن تمنعوها بالدستور وكل القوانين والأعراف، والمواطن حر في أن يختار الوسيلة والجهة التي تناسبه للتكفل بمهمة سفره لأداء المناسك.
{ هدانا الله وهداكم.