احمد المصطفى ابراهيم : إلى الدعاة والرعاة

أنقل إليكم اليوم من روائع الشيخ محمد راتب النابلسي (بتصرف) ليس لي فيها إلا العنوان.
الأقربون أولى بالمعروف:
النبي عليه الصلاة والسلام أُمِرَ في هذه الآيات أن يُنْذِرَ عشيرته الأقربين، والأقربون أولى بالمعروف، الأقربون إليك أولى بِتَوجيهك، الأقربون أولى بِعِنايتِك، الأقربون نسبًا، والأقربون مكانًا، والأقربون في العمل، المؤمن يبدأ بِمَن حوله، يبدأ بأهله وأولاده، ويبدأ بِإخوته، وأخواته، ويبدأ بِعَشيرته، ويبدأ بأبناء حَيِّه، وبِزُملائِهِ بالعمل ويبدأ بِجيرانِهِ، هكذا.
وهناك أُناسٌ يَدَعون بلدهم، ويبحثون عن عملٍ صالح في مكان آخر، لكنَّ بلدهم أوْلى بهم، وهذا هو الأصل، وأقْرباؤُهم أولى بهم، وعشيرتهم أولى بهم، البلد الذي احْتضنهم أولى بهم
ما مِن علاقة أوْقَعُ في النَّفس من علاقة الإيمان بين الأقارب، فإذا كان إخوانك وأخواتك مؤمنين، وكان أولادك على الطريق الصحيح فهذه سعادة ما بعدها سعادة، ثم الآية التي تليها:﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أمْرُ اللهِ نبيَّه عليه الصلاة والسلام بخفض الجناح والتواضع:
بادئ ذي بدْء، هذا تَوْجيه من الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام في الطريقة التي ينبغي أن يُعامِلَ بها أصحابهُ، هذا توجيه، أو تربيَةٌ، أو تأديب، حينما سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الأدب الرفيع الذي يتحلَّى به فما زاد أنْ قال: (أدَّبني ربِّي فأحسن تأديبي).
خفْض الجناح كِنايةً، والكناية هي التَّعبير عن الشيء بِبَعْض لوازِمِه، إذا أردْت أن تُعَبِّر عن كرم الإنسان قد تستخْدمُ أُسلوبًا غير مباشر، فالكريم من لوازمهِ أنَّ بابه لا يُغْلَق، دائمًا الضُّيوف يدخلون منه، فإذا عبَّرْتَ عن الكرم بِطريقةٍ مباشرة تقول: فلان كريم، هذا الأسلوب اسمُهُ الأسلوب المباشر، أما إذا أردْتَ أن تعبِّرَ عن كرم هذا الإنسان بِطَريقةٍ غير مباشرة تسْتخدم الكناية، وتقول: فلان بابهُ لا يُغْلَقُ، أي هو كريم، وإذا أردْتَ أن تُعَبِر أنَّ هذا الإنسان قد نَدِمَ، وقلتَ فلان نَدِم، فأنت اسْخدمْت الأُسلوب المباشر،
أما إذا أردْت أن تستخدم الكناية تقول: فلان عضَّ على أصبعه ! قال تعالى:﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ هذا كنايةٌ عن النَّدَم الشديد، وخفضُ الجناح كِنايةٌ عن التواضع، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، وَلا يَبْغِي بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ) والله سبحانه وتعالى يُوَجِّه النبي عليه الصلاة والسلام، أو يؤدِّبُهُ أو يُرَبِّيه كي يكون متواضِعًا مع أصحابه، قال تعالى:﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ ﴾

فوائد خفض الجناح:
يبْدو أنَّ خفْض الجناح يؤلّف القلوب، وخفْض الجناح يُعين على المحبَّة، والمحبّة أساس في الدَّعوة إلى الله. أحدُ المُعلِّمين القدامى الذين جاءوا في العصور الساحِقَة، في التاريخ القديم وهو أفلاطون اسْتَدعى ولِيًّا من أولياء تلاميذه، وقال له: خُذْ ابنَكَ عنِّي، فإنَّه لا يُحِبُّني ! التَّعليم أساسه المحبّة، والتَّعليم بالقهْر وبالإلزام لا يُجدي،
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.

Exit mobile version