من يجرؤ على الصمت

اعتماد دولة الإمارات العربية المتحدة وزارات للتسامح والسعادة والمستقبل، أقامت الدنيا ولم تقعدها، غير أنه أطربتني جدا مرافعة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التي وردت في حسابه الخاص، بحيث يقول الرجل.. “البعض تناول التغييرات بالإعجاب – وهم كثيرون- وآخرون بالاستغراب وفريق ثالث من وراء البحار قارن التغييرات ببناء أطول برج وأكبر جزيرة، وكأن التغييرات جزء من حملة دعاية تقوم بها دولة الإمارات.
ولعلي أوجه خطابي اليوم للفريقين الأخيرين.. لأشرح لهم بشكل مختصر لماذا غيّرنا ؟
نحن غيّرنا لأننا تعلّمنا الكثير خلال الخمس سنوات الأخيرة، تعلمنا من أحداث المنطقة حولنا، وتعلمنا من دروس التاريخ، وتعلمنا أيضا من جهود كثيرة بذلناها لاستشراف المستقبل.
علمتنا منطقتنا وعبر أحداث رهيبة مرت بها في السنوات الأخيرة بأن عدم الاستجابة لتطلعات الشباب الذين يمثلون أكثر من نصف مجتمعاتنا العربية هو سباحة في عكس التيار، وبداية النهاية للتنمية والاستقرار.
علمتنا منطقتنا بأن الحكومات التي أدارت ظهرها للشباب، وسدت الأبواب أمامهم.. إنما سدت أبواب الأمل لشعوب كاملة، نحن لا ننسى أن بداية التوترات في المنطقة، وما يسمى – للأسف – ربيعا عربيا، إنما كانت لأسباب تتعلق بتوفير فرص للشباب وبيئة يستطيعون من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.
نحن دولة شابة ونفخر بذلك، ونفخر أيضا بشبابنا، ونستثمر فيهم، ونمكن لهم في وطنهم، وعينا وزيرة شابة من عمرهم، وأنشأنا مجلسا خاصا لهم، ونؤمن بأنهم أسرع منا في التعلم والتطور والمعرفة لامتلاكهم أدوات لم نمتلكها عندما كنا في أعمارهم، ونعتقد جازمين بأنهم هم الذي سيصلون بدولتنا لمراحل جديدة من النمو والتطور.
علمتنا السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط (الجديد) بأننا نحتاج أن نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، أن نرضعه لأطفالنا فكرا وقيما وتعليما وسلوكا، أن نضع له قوانين وسياسات ومنظومة كاملة من البرامج والمبادرات. نعم تعلمنا ذلك من مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين والمنكوبين الذين رأيناهم في آخر خمس سنوات في هذه المنطقة بسبب التعصب والكراهية وعدم التسامح الطائفي والفكري والثقافي والديني.
لا يمكن أن نسمح بالكراهية في دولتنا، ولا يمكن أن نقبل بأي شكل من أشكال التمييز بين أي شخص يقيم عليها أو يكون مواطنا فيها، لذلك عيّنا وزيرا للتسامح.
عندما كانت المنطقة في أزهى عصورها متسامحة مع الآخر ومتقبلة للآخر، سادت وقادت العالم.. من بغداد لدمشق للأندلس وغيرها.. كنا منارات للعلم والمعرفة والحضارة لأننا كنا نستند إلى قيم حقيقية تحكم علاقاتنا مع جميع الحضارات والثقافات والأديان من حولنا، حتى عندما خرج أجدادنا من الأندلس خرج معهم اليهود ليعيشوا بينهم لأنهم يعرفون تسامحنا.
نعم تعلمنا من التاريخ أهمية التسامح، ولكن جاءت الأحداث الأخيرة في منطقتنا لتؤكد لنا أنه لا مستقبل لهذه المنطقة بدون إعادة إعمار فكري ترسخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر فكريا وثقافيا وطائفيا ودينيا.
التسامح ليس فقط كلمة نتغنى بها، بل لا بد أن يكون لها مؤشرات ودراسات وسياسات، وترسيخ سلوكي في مجتمعنا لنصون مستقبله ونحافظ على مكتسبات حاضره.
نحن دولة نتعلم كل يوم، ومع كل درس نتعلمه لا بد أن نأخذ قرارات لنطور بها مستقبلنا. وبالحديث عن المستقبل ولماذا غيرنا اسم إحدى الوزارات لتكون ايضا وزارة للمستقبل ؟ أقول لأننا نتعلم أيضا من المستقبل وليس فقط من التاريخ.
بذلنا جهودا كبيرة في السنوات الأخيرة لاستشراف المستقبل، ولدينا خطط كبيرة وسياسات وطنية علمية وتقنية تتجاوز قيمتها الـ 300 مليار درهم استعداد لاقتصاد المستقبل، اقتصاد لا يجعل أجيالنا رهينة لتقلبات أسواق النفط ومضارباتها وعرضها وطلبها
لابد لحكوماتنا أن تفكر بما بعد اقتصاد النفط من اليوم لا بد من إعادة النظر في المنظومة التشريعية والإدارية والاقتصادية بشكل كامل للابتعاد عن الاقتصادات المعتمدة على النفط. لا بد من وضع بنية تحتية تنظيمية ومادية قوية لبناء اقتصادات مستدامة لأبنائنا ولأبناء أبنائنا.
نعم نحن مغرمون بالمستقبل وما يحمله.. المستقبل يحمل تغييرات عظيمة، في الصحة وطرق التعليم وفي إدارة مدن المستقبل وفي الخدمات الذكية وفي التنقل المستقبلي وفي الطاقة المتجددة وفي الفضاء، ونحن وضعنا رهاننا في موجة التغييرات القادمة، واستثمرنا في أبنائنا، وتجربتنا مفتوحة للجميع للاستفادة منها.
لا أكتب هذا المقال اليوم تفاخرا أو أعجابا بأي إنجازات، بل أكتبه لأرسل رسالة للمنطقة من حولنا بأنه بيدنا لا بيد غيرنا يأتي التغيير، منطقتنا ليست بحاجة لقوى عظمى خارجية لإيقاف انحدارها، بل لقوى عظمى داخلية تستطيع التغلب على موجة الكراهية والتعصب التي تضرب نواحي الحياة في الكثير من دول المنطقة. أكتب مقالا لإرسال رسالة بأنه لا بد للحكومات أن تراجع دورها، دور الحكومات هو خلق البيئة التي يستطيع الناس من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم وذواتهم.. خلق البيئة وليس التحكم فيها.. تمكين الناس وليس التمكن منهم.. وظيفة الحكومات خلق البيئة التي يستطيع الناس أن يحققوا فيها سعادتهم، نعم وظيفة الحكومات هو تحقيق السعادة.. ولسنا جدد في الحديث عن السعادة.. منذ فجر التاريخ والكل يطلب السعادة.. أرسطو ذكر أن الدولة كائن حي يتطور ليسعى لتحقيق الكمال المعنوي والسعادة للأفراد.. وابن خلدون كذلك.. وفي مقدمة الدستور الأمريكي نص على حق الجميع في السعي لتحقيق السعادة.. بل أن هناك مطالبات من الأمم المتحدة بتغيير المعايير المعتمدة لقياس نجاح الحكومات.. من معايير اقتصادية لمعايير تتعلق بسعادة الإنسان.. وخصصت الأمم المتحدة يوما عالميا للتأكيد على أهميته. السعداء ينتجون أكثر.. ويعيشون أطول.. ويقودون تنمية اقتصادية بشكل أفضل حسب الدراسات.. أستغرب من استغراب الكثيرين من تعييننا وزيرا للسعادة في حكومتنا.. السعادة لها مؤشرات وبرامج ودراسات.. السعادة يمكن قياسها.. وتنميتها وربطها بمجموعة من القيم والبرامج.. سعادة الأفراد، وسعادة الأسر، وسعادة الموظفين في عملهم، وسعادة الناس عن حياتهم ،وتفاؤلهم بمستقبلهم، ورضاهم النفسي والمهني والمجتمعي، كل ذلك يحتاج لبرامج ومبادرات في كافة قطاعات الحكومة ولا بد من وجود وزير لمتابعة ذلك مع كافة القطاعات والمؤسسات الحكومية، عندما نقول إن هدف الحكومة هو تحقيق السعادة فنحن نعنيه حرفيا وسنطبقه حرفيا وسنسعى لتحقيقه بما يتناسب مع طموحات شعبنا وتطلعاته وعاداتنا وثقافتنا.
نعم نحن غيرنا حكومتنا، وأتمنى أن نكون نموذجا يمكن أن يستفيد منه غيرنا !!

Exit mobile version