لا أعرف ما الفائدة المرجوّة من استمرار المؤسسات الرسميَّة وبعض وسائل الإعلام في تضليل المواطن السوداني بالترويج لمعلومات غير صحيحة، حين مقارنة أوضاع بلادنا الاقتصادية والثقافية بالبلدان الأفريقية الأخرى، بحيث نجعلها تتسفل دوننا على الدوام، فيما الحقيقة غير ذلك، إذ أن كثيراً من تلك الدول تعلو علينا ولنأخذ في هذا الصدد واحدة من الغرب وأخرى من الشرق.
فنيجيريا مثلاً، صنفتها وكالة وكالة Bloomberg الخامسة على مجمل دول العالم من حيث معدل النمو الاقتصادي للعام 2015م وضمنتها قائمة تضم 20 يتوقع أن تسجل أفضل مؤشرات للنمو الاقتصادي في الأعوام القادمة، وتفوقت في ذلك على السعودية والإمارات وحتى الولايات المتحدة الأميركية. وبحسب محللين وخبراء، فإن اقتصاد نيجيريا الذي يعد من أكبر اقتصادات القارة الأفريقية نما بنسبة 4.9% في عام 2015.
أما في المجالين الثقافي والترفيهي، فقد أفردت (سي ان ان) تقريرًا شاملاً عن تطور السينما في نيجيريا، وأشار التقرير إلى أن صناعة السينما هناك تحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد (هوليوود) الأمريكية، و(بوليوود) الهندية، متفوقة على كل الدول الأوروبية والآسيوية والأميركية الأخرى. يُعزا نجاحها إلى معايشة أفلامها واقع حياة مواطني القارة السمراء، وأنها تنتج ما يزيد عن ألف فيلم سنوياً بموازنة متدنية.
في الشرق تأتي كينيا في المرتبة الثالثة ضمن قائمة الــ 20 دولة الأكثر نموًا في العالم متفوقة على نيجيريا بنسبة نمو 6% رغم أن نسبة البطالة لا تزال تمثل نحو 40%. وعلى المستوى الثقافي تأتي كينيا في صدارة الدول الأفريقية من حيث صناعة الكتاب والمسرح والصحافة الحرّة.
بطبيعة الحال، لن نحدث هنا عن جنوب أفريقيا، حيث الصناعات الثقيلة بما فيها الطائرات والسلاح والتكنولوجيا الحديثة والمعدات الطبية وصناعة الدواء والمختبرات المرجعية على مستوى العالم قاطبة. لكننا لا ينبغي أن نفوّت الفرصة دون الإشارة إلى غانا، السنغال، إثيوبيا، رواندا، وهي دول تمضي اقتصاداتها باطراد نحو التطور والتقدم.
لكن، وقبل أن نوغل أكثر في المقاربة، يجدر بنا الإشارة إلى شخصين مهمين من من نيجيريا وكينيا، حازا على جائزة نوبل، وهما السيد وول سوينكا الروائي والمسرحي النيجيري، وحاز على نوبل للآداب، والسيدة وانجاري ماساي الكينية وفازت بنوبل للسلام.
إلى ذلك، وعِوضاً عن النظر إلى ما حولنا بواقعية والمثول أمام الحقائق كما هي، فإننا كثيرًا ما نتلوى عليها وننكرها، سواء أكانت خاصة بنا أو بمحيطنا، لذلك ولأننا نظن أننا في المقدمة والآخرين خلفنا، فنخرج أنفسنا من المنافسة، معتقدين أن لا أحدًا مثلنا خاصة الأفريقيين، فيما الوقائع على الأرض تدحض تصوراتنا وتدهسها بحوافرها الثقيلة. فمستوى النمو الاقتصادي ها هو ماثل ولا يحتاج إلى تفصيل منا، لكن ذلك لن يجعلنا نغفل عن الإشارة إلى تقرير صادر عن مكتب (أكسفورد إكنوميكس) عن تصنيف المدن الأفريقية الأكثر غنى في آفاق 2030، فكانت جوهانسبيرج، لاغوس، دار السلام، لواندا، الجزائر، أديس أبابا، نيروبي، ومدن أخرى ليس من بينها الخرطوم التي تعاني حتى على مستوى النمو الثقافي والفكري، فلا نرى في أفقها مسرحًا ولا سينما ولا كتابًا ينافس إلا فيما ندر، ولا إنتاجًا فكريًا صارمًا وقياسيًا.