قبل عقود قليلة كانت إثيوبيا حاضرة في وسائل الإعلام الدولية بأخبار المجاعة، ولكن تحولا درامتيكيا حدث وأصبحت قصة من النجاح الساطع من حيث معدلات النمو الاقتصادي.
ولكن قصة النجاح لا تروى في وسائل الإعلام العالمية بجوانبها كافة، أي بمعنى أن العوامل الاجتماعية والثقافية في التنمية لا تحظى بالكثير من الأضواء، وفي الواقع كل من يزور الفنادق والمطاعم التي تنتشر في العاصمة أديس أبابا سيجد لدهشته ربما كيف أن هذه الدولة في شرق أفريقيا ذات الـ90 مليون نسمة أصبحت بسرعة مدنية عالمية من حيث التنوع الثقافي، وحول العاصمة أديس أبابا وخلال الأندية الليلية هناك تنويعات واسعة للموسيقى الأفريقية والمطاعم تقدم الأطباق الأفريقية، وهناك الكثير من الأغاني الإثيوبية باتت هجين من الإيقاعات الأفريقية والغربية والرقصات الأفريقية ظهرت وأثرت في أسلوب الرقص المحلي في أديس أبابا.
الأثر الإثيوبي على القارة الأفريقية ليس أمرا جديدا، فهو يعود إلى قرون في الماضي. ويقول زيراي هيلاميريام الباحث في العلاقات الدولية لصحيفة (ميل اند غارديان) الجنوب أفريقية: “النفوذ السياسي والتاريخي لإثيوبيا يعود جزء كبير منه إلى الإرث الثقافي لهذا البلد، والذي كان له تأثير كبير، بل كان الملهم للبلدان الأفريقية لصناعة نظامها السياسي المستقل والحر من أي نفوذ أجنبي”.
إثيوبيا يطلق عليها العاصمة السياسية لأفريقيا كونها تحتضن ثالث أكبر البعثات الدبلوماسية في العالم بعد جنيف ونيويورك، فهي المقر الرئيس لاتحاد الأفريقي الذي كان يعرف سابقا بمنظمة الوحدة الأفريقية التي تأسست في العام 1963، وكان آخر ملوك إثيوبيا الإمبراطور هايلي سيلاسي من بين الزعماء الأفارقة المؤسسين للاتحاد الأفريقي مع الزعيم الغاني نيكروما والتنزاني نيريري والمصري جمال عبد الناصر، وتستضيف إثيوبيا كذلك مقر مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا.
وبفضل تواجد مقر رئاسة الاتحاد الأفريقي، فإن عدد البعثات الدبلوماسية تضاعف فضلا عن سياسية الانفتاح الإثيوبي على القارة الأفريقية جعل التداخل والتواصل بينها وسائر أنحاء القارة الأفريقية مسيرا بل إن هناك تداخلاً ومصاهرة بين الكثير الإثيوبيين وجيرانهم من الأفارقة، كما أن البلاد تستضيف حالياً عدد من اللاجئين من دول الجوار خصوصاً من جنوب السودان وإريتريا والصومال تقدرهم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بنحو 700 ألف لاجئ.
توقع تقرير لمعهد دراسات الأمن بأن تصبح إثيوبيا خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة ضمن (الخمس الكبار) في القارة الأفريقية، وهذا يفسر الحضور الأفريقي الكبير في أديس أبابا، ويشير التقرير إلى أن قائمة الخمس الكبار تضم الجزائر ومصر وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، إلا أن إثيوبيا ونيجيريا ستكونان الأكثر نموا بجانب جنوب أفريقيا، وهذا الوضع سيمنح إثيوبيا نفوذاً أو على الأقل دوراً في أفريقيا في عمليات تشكيل الثقافة والاقتصاد والسياسة التي سوف تتعاظم خلال السنوات القادمة.