في ظهيرة يوم صيفي من أيام شهر يونيو تجمع البريطانيون تحت مبنى شاهق والحيرة الممزوجة بالدهشة تسيطر على الأجواء، سيدة بملامح عربية سقطت من الطابق السادس حسب شهود العيان.. بعد دقائق جاء الخبر اليقين أن الفنانة سعاد حسني باتت في عداد الموتى الذين يستحيل استنطاقهم.. لماذا انتحرت سندريلا الشاشة العربية.. واحدة من الافتراضات أن الدولة المصرية كانت تتكفل بعلاج الفنانة بتعليمات مباشرة من رئيس الوزراء الجنزوري .. حينما تطاول أمد العلاج في أوربا واحتجت بعض الأقلام الصحفية على الإنفاق على ترف سعاد حسني صدر قرار آخر وأوقف نفقات العلاج.. هنا دخلت سعاد في أزمة نفسية معقدة انتهت بتلك الدراما الواقعية.
قبل أيام نقلت الصحف السودانية المعاناة التي يعيشها المذيع والأديب حمدي بدرالدين.. حمدي يعيش وحيداً مع الألم ولا يجد حتى «حق الأمجاد» لمعاودة الطبيب.. بل إنه من شدة قسوة الأيام ينتظر طبيباً يقيم في بريطانيا ويعود للسودان في فترات قصيرة هارباً من بلاد تموت من بردها الحيتان .. حمدي الذي أمتع المشاهدين في برنامج فرسان في الميدان وجعل لنشرة الأخبار بريقاً بصوته العميق وطلعته البهية يعيش الآن هذه الظروف القاسية.
ليس حمدي وحده من تنكرت له الأيام .. ذات يوم، وكنت وقتها أعمل بالحبيبة التيار جاءنا إعلان فيه يعرض بيت الفنان الكبير محمد وردي في المزاد العلني لتسديد مديونية.. بعد التشاور مع رئيس التحرير تحول الإعلان المذل إلى «مانشيت» رئيسي.. بعدها بأيام تدافع جمهور وردي لرد الجميل واحتفظ الفنان الكبير بمنزله المحبب لنفسه.. ذات الظروف يعيشها نجم الكوميديا نبيل متوكل الذي يجلس على كرسي متحرك.. وفي أقصى المدينة يعيش أستاذ الأجيال الصحفي الكبير إبراهيم عبد القيوم ومثله آلاف من المبدعين.
تقصيرنا في رد الجميل جعل السفارات الأجنبية تتدخل.. أمس نقلت آخرلحظة عن زيارة لبيت الأستاذ حمدي قامت بها كارولين شنايدر مسؤولة العلاقات العامة بالسفارة الأمريكية بالخرطوم.. «الخواجية» الرقيقة حاولت أن تساعد أديبنا دون أن تجرح خاطره.. طلبت منه تقديم خبراته الإعلامية للسفارة بالخرطوم.. حمدي بدرالدين لم يقدم لأمريكا سوى سنوات قليلة من العمل في راديو صوت أمريكا.. ومن قبل ذلك تلقى بعضاً من دراساته الإعلامية في الجامعات الأمريكية.. رغم هذا تمد أمريكا يد العون لأديبنا حمدي بدر الدين وتتوارى من الخجل وزارات ومؤسسات منوط بها الحفاظ على كرامة الإنسان السوداني.
في تقديري.. أن المبادرة الأمريكية يجب أن تستفز مشاعرنا وضميرنا الوطني.. لن نسأل الحكومة التي تشغل نفسها بإنشاء أكبر برلمان على وجه البسيطة.. لكن أين المؤسسات السودانية من شركات ومصارف ومنظمات مجتمع مدني.. أين زملاء وأصدقاء ومعارف الأستاذ حمدي بدر الدين في الوسط الفني والإعلامي.. ماسأة حمدي يجب أن تنبهنا إلى الدور المجتمعي المفقود.
بصراحة.. نحن الآن أحوج إلى صندوق اجتماعي نسميه بيت العائلة.. مهمة هذا الصندوق استقطاب الموارد وإعادة توظيفها في صالح المبدعين الذين يجور عليهم الزمن وما أكثرهم وما أقسى زماننا.