توصية بطعم المرارة وقعت على دهاقنة المؤتمر الوطني، اندلقت من مخرجات الحوار الوطني تطالب باستحداث منصب رئيس الوزراء في حالة التواضع على قيام حكومة قومية أو انتقالية خلال المرحلة السياسية القادمة التي تنبثق من التسوية الشاملة بين مكونات الساحة السودانية المختلفة.
لجنة مخرجات الحكم في الحوار الوطني التي تبنت مقترح منصب رئيس الوزراء، رأت أن استحداث هذا المنصب التنفيذي المهم يؤطر إلى خلق روح جديدة في التوليفة الحاكمة المرتقبة ويخفف العبء الثقيل على رئيس الجمهورية، فضلاً عن إمكانية قيام رئيس الوزراء المنتظر بالكثير من المهام التي تساعد على ترسيخ الاستقرار السياسي والتوازن في التكاليف، والإشراف على عملية الانتخابات في إطار الشكل الجديد للحكم بعد انتهاء الحكومة القومية أو الانتقالية.. من جانب المؤتمر الوطني، ما زال المقترح يواجه عقبات ومطبات هوائية مبنية على الشكوك والهواجس من توقعات المشاكل والتعقيدات الناتجة عن استخدام الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء القادم، والإفرازات المتوقعة من تشابك صلاحياته وتداخل سلطاته مع رئيس الجمهورية، فالواضح أن المؤتمر الوطني يتحسس خطورة النتائج التي ترتكز على أبعاد هذا المقترح، لكنه لا يريد الإفصاح عن تلك القناعات في الهواء الطلق، وربما يحاول الانتظار ريثما يدق جرس الحالة الظرفية.
لا شك أن الإمام “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة القومي أكثر الشخصيات السياسية في الساحة المرشحة لتولي منصب رئيس الوزراء المنتظر في حالة حدوث تسوية سياسية بين حزبه والمؤتمر الوطني في إطار الحلول الجامعة، وبذات القدر ينفتح الباب على مصراعيه في هذه الحالة على قيام إشكالية كبيرة بين المؤتمر الوطني والإمام حول الصلاحيات والسلطات الممنوحة له، علاوة على الطريقة التي يدير بها التكليف التنفيذي بكل تضاريسه وملامحه التي تتماهى مع تحديات ومسؤوليات تلك المرحلة الدقيقة، فالإمام “الصادق” بذكائه السياسي وكاريزماه الطاغية يدرك السرائر في العقلية الإنقاذية، فهو لا يقبل أن يكون ديكوراً على مسرح السلطة.. وكم مرة تحاور مع الإنقاذ في السنوات الماضية ولم يوافق على ما قدموه له، وكان الإمام يدهش الكثيرين عندما يلمس باب المشاركة بإصبعه ثم لا يلج إلى الداخل!!
مخاوف الإنقاذ من سلطات رئيس الوزراء المقترحة تشكل معضلة أساسية لتمرير المشروع المقدم من لجنة الحكم في الحوار الوطني، وهم يريدون أن تكون التجهيزات والترتيبات على نسق ما يشتهون، والإمام يريد قميصاً واسعاً حتى يرسي دواعي مشاركته من ثنايا التسوية الشاملة، فالثابت أن مقاس الإمام “الصادق” في منصب رئيس الوزراء مبني على متلازمة نفسية وسياسية في آنٍ واحد تعبر عن طموحات في المرايا الداخلية وبرنامج يؤطر الطريق إلى مرافئ الديمقراطية.
الواقعية السياسية وتلافي المخاطر على البلاد فرضت على الإنقاذ التنازل المحسوب وسمكرة الأيديولوجيا، لذلك جاء الانتقال السلس من الشمولية إلى الشفافية خطوة معقدة على جماعة المؤتمر الوطني.. ومن هنا تبقى معركة الموافقة على رئيس وزراء بصلاحيات اختباراً حقيقياً على مصداقية الإنقاذ في التماشي مع متطلبات اقتسام السلطة مع المعارضة، فالكرة في ملعب الإمام “الصادق” إذا تواثق مع الحكومة في إطار الصيغة الجامعة وارتدى القميص الواسع!!
بقلم – عادل عبده
صحيفة المجهر السياسي