العالم يشتعل من حولنا، وديار بعض ذوي القربى تأكلها النيران، وتتجاذبنا أطراف الخصومات والصراع لنكون إلى جانب طرف دون الآخر.. وتقديرات الدولة والحكم تتجه نحو ما ترى فيه مصلحة الأمة والشعب، مثلما في حالة حرب اليمن، ومواجهة الحوثيين، وقوات صالح التي انقلبت على الشرعية، وأرادت تهديد أمن الحرمين الشريفين وأمن البحر الأحمر.. وكل الإقليم.
الحروب تعطل التنمية ما في ذلك شك، وقد قال وزير الدفاع الأمريكي الأسبق “روبرت ماكينمارا” – وهو أحد مهندسي حرب “فيتنام” – المتوفى عام 2009م عن (93) عاماً، قال إن الأمن القومي هو التنمية.
إذن وبهذا المفهوم الأمريكي، فإن الحروب – مهما كانت – تعتبر أكبر مهدد للتنمية، إذا ما اتصلت بالأمن الوطني لدولة ما أو الأمن القومي لإقليم تعيش فيه قومية معينة، مثل الذي يحدث الآن من تهديدات فارسية لكل العالم العربي، لأن المهددات لم تعد طائفية أو عقائدية فقط.
ما يحدث حولنا خطير، وكثير من ساستنا، وكتابنا وغالبية أجهزة إعلامنا وصحافتنا لا تنظر لما يحدث بما يستحق من اهتمام، فالتحديات الداخلية عديدة، لكن المهددات الخارجية أخطر، حتى وإن لم تظهر لنا بعض ملامحها في الأفق، وإذا لم تكن لدينا إستراتيجية شاملة وواضحة محددة المعالم والأهداف للتعامل مع جوارنا الجغرافي والإقليمي وفق ما يطرأ من مستجدات سياسية وعسكرية واجتماعية.
كثير من السياسيين أو أدعياء العمل السياسي لا ينظرون إلا لمصالحهم من خلال نظرة ضيقة، وفي سبيل تحقيق الأهداف الخاصة والمصالح الشخصية يمكن أن يعملوا على تدمير الدولة لا النظام.. ولا تهمهم نتائج أفعالهم تلك التي تفت من عضد الدولة، وتعمل على تقسيمها، مع عدم المعرفة التامة بقيمة هذا (الوطن الغالي)، فعلماء الجغرافية السياسية يقولون إن قيمة الدولة تقوم على الموارد زائد الاقتصاد، أي أن هذه القيمة تقوم على العوامل الطبيعية والبشرية والاقتصادية، كما إن قوى الدولة الشاملة تتمثل في الموقع وعدد السكان، والاقتصاد والقوة العسكرية والأثر السياسي غير قوى أخرى مثل القوى النفسية والمعنوية للشعوب التي قد تتضح أكثر في حالة (الاعتداد) بالنفس، إلى جانب القوة الحديثة التي هي الإعلام.
أحد أهم واجبات الإعلام، في ظل هذه الأحداث والمتغيرات التعريف الدقيق بما يحدث حولنا، وتحليل الأوضاع بدقة وأمانة، والعمل مع كل القوى لتثبيت أركان الإستراتيجية الوطنية، التي هي علم استخدام وتطوير موارد الدولة لتحقيق الأهداف والمصالح الوطنية العليا، أو لتحقيق أهداف الأمن الوطني تحت مختلف الظروف.
دور الإعلام الحقيقي يتطلب المزيد من الانفتاح والمزيد من الحريات حتى يملأ الفراغ المتروك الآن لوسائط التواصل الالكترونية، التي تعمل دون ضابط أو رابطـ، وتشغل الناس بكل ما هو ليس بمهم، حتى أن بعض مستخدمي هذه الوسائط يشبه حاله بحال إنسان القرون الوسطى الذي يستخدم تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين.
نحتاج إلى وقفة.. نحتاج إلى أكثر من مراجعة.. الذي يحدث حولنا خطير وآثاره ستنعكس علينا بالسلب أو الإيجاب، إن عاجلاً أم آجلاً.