الحكاية الاولى :
احمد الامين الشيخ
اول الشهادة السودانية 1964م
لاوائل الشهادة السودانية فى عهدها الذهبي(1950 م -1989م – وهذا تقدير شخصى يحتمل النقاش- قصص وحكايات تستحق ان تروى للأجيال اللاحقة ،فالظفر بالتعليم نفسه ضرب من الخيال وامل بعيد المنال فان أتيحت للتلميذ فرصة للتعلم فالظرف البيئي اوالاسرى لايسمح بذلك.
د.احمد الأمين الشيخ واحد من هؤلاء، ارتبط اسمه بتاريخ الشهادة السودانية واذيع اسمه اول الشهادة السودانية فى ذات العام الذي شهد اندلاع ثورة أكتوبر ،وحكايته جديرة بالتدوين والتوثيق ،(السوداني) جلست له بمكتبه بمستشفى علياء التخصصي بودمدنى وقلبت معه الأوراق منذ ان كان راعيا للأغنام حتى أصبح كبير اختصاصي الجراحة فى بلادنا دون ان يجد الصيت الذي يجده بغاث المغنواتية وغيرهم من سابلة الثقافة ودهماء السياسة فى بلادنا
الرجل بسيط وتلقائي وحكاى بطريقة لا تمل سماعها وعرفت أثناء الحديث معه ان إدارة مدرسة خور طقت كتبت تقريرا أشارت فيه يرجى منه فى التمثيل وإذا عرف السبب بطل العجب!حاولت انقل النص كما جاء على لسانه حتى لاافسد روعة الحكى عند الرجل.
القبول للمدرسة
يحكى د.احمد الأمين الشيخ إن العادة التي كانت سائدة في الأسرة يومها إن تذهب وأنت طفل للعيش مع اهلك في الأسرة الكبيرة فى الخلاء وأنا قعدت مع حبوبتى خالة والدي حتى أساعدها في المنزل والمراسيل ورعى الأغنام وهناك هدف غير معلن إن تبعد قليلا عن حياة القرية وتتعرف على الحياة في الخلاء، قعدت مع حبوبتى وزوجهاسلمانى مضوى ابراهيم وكان رجل ميسور الحال وهو خال امى حتى جاء وقت المدارس وكنا في ضواحي المحيريبا ،وجاء والدي لأخذى للمدرسة في طابت وكنا يومها عراة غرلا وقال لحبوبتى(بكرة المدرسة وأنا سايقه للمدرسة ، فاعترضت حبوبتى وقالت منو البسرح لي بالغنم؟ ومنو البترسل لي ؟ ) فصادف البقاء فى الخلاء هوى فى نفسي وتشبثت وراء ظهر حبوبتى ربما بسبب جهلي وخوفا من المجهول لان (جنا تعرفو ولا جنا مابتعرفو) فرغبت بالبقاء مع حبوبتى لان المستقبل امامى غير معروف والمدرسة لاتعنى لى شيئا ،ولمزيد من الاغراء اخرج ابي عراقي دمورية جديدا وكان اغراء ما بعده اغراء وبعت حبوبتي وذهبت مع ابى الى طابت للقبول فى المدرسة على ظهر حمار.
ويواصل د. احمد الأمين الشيخ حكايته الممتعة (نظام القبول فى المدرسة يتم باختيار التلاميذ أصحاب الأحجام الكبيرة أولا وبنظام القرعة ثم أصحاب الأحجام الصغيرة وهكذا ولم يكن التعليم يومها متوفرا وغير مرغوبا لذلك مافى تمسك بالشهادات وتبقت 16فرصة لأصحاب الأحجام الصغيرة وعدد التلاميذ المتبقي 60 تلميذا وأجريت القرعة وسحبت الفاضية لسؤ حظي ولم اقبل فأصبحت أبكى بكاء مرا وأصيح بصوت جهير ،هم كانوا يظنون اننى أبكى على عدم قبولى بالمدرسة لكن انا ببكى على العراقي لانه عندي مرتبط بالمدرسة والدراسة(مدرسة مافى عراقي مافى) البكاء الشديد جعل ابى يرضخ لالحاقى بمدرسة صراصر الأولية وتبعد عن طابت 5 كلم وبهذا ضمنت العراقي.
مدرسة صراصر
ذهبت لمدرسة صراصر وسكنت مع خالى على المساح وهى مدرسة sup-grate وهى ثلاث فصول وتكمل فى طابت ولا يمكن للطالب ان يمتحن منها للوسطى وبها كل المواد وينقصها من المدرسة العادية الرسم فقط ونعوضها حساب اوعربى وبالتالى نحن زايدين مواد عن مدرسة طابت وكنا نجلس على الأرض فى البروش والكتابة على الأرض ، نقعد خارج الفصل لا كتب ولا كراسات نكتب فى الارض ونمسح (ودى ارخص دراسة فى الد نيا) .ومدرسة طابت كن بها الواح ارتوازية حجرية وتكتب بها بحجر بضغط
الحياة التى عشتها فى الخلاء جعلتنى جانحا ومتوحشا وكنت كثير الهروب من المدرسة وداير امى وداير ابوى ورغم ان خيلانى فى صراصر احسنوا معاملتى جدا ودائما اشرد مع المغرب، وبين طابت وصراصر فى ترعة رئيسية بها كمر خطير جدا اذا وقعت بتغرق وبعد ان تكرر الامر جاء خالي لوالدي وطلب منه تحويلى لطابت خوفا من الغرق ،جئت طابت لكن مافى طريقة أمشى المدرسة للدراسة ،واستهوتنى المدرسة جدا وتعلقت بها وكنت اذهب لمدرسة طابت الأولية واجلس بجوار الشباك من الخارج وبحكم المعرفة التى اكتسبتها فى مدرسة صراصر كنت أجيب على أسئلة المدرس للتلاميذ، وانتبه الأستاذ لذلك واقنع الناظر ان امتحن للصف الثاني فإذا نجحت اقبل وامتحنت وكنت الأول وانتقلت للصف الثاني ومكثت به ثلاثة أشهر فقط بحكم معرفتى السابقة وانتقلت للصف الثالث وكنت الأول ومنه للصف للرابع وهنا حكاية تستحق التدبر والتامل .
خلال دراستى كنت البس جلابية واحدة وعراقى واحد ولا نلبس سروال الا بعد الطهور او تكن ميسور الحال . المدارس الاهلية بقروش والحكومية مجان .مشبنا الامتحان والناظر حذرنا من الكلام فى الامتحان مهما كانت الاسباب وكلام الناظر ملزم وكانه وحى ،الامتحان كان به جزئيين شفهى وتحريرى ،كنا نكتب بالريشة وواذكر الريشة وقعت على الارض وسكت لان الناظر قال ماتتكلم فى الامتحان
واحرزت 30 فى الشفهى ولم احسن التصرف ودخلت الحصاحيصا الوسطى وجئنا لجنة القبول وقررت القبول الداخلى ب44حنيه والقبول الخارجى ب20جنيه ،والدى قال لرئيس اللجنة اسمه يوسف حسن انا ما عندى 44ج ،رئيس اللجنة قرر اقعد معه فى المنزل ولم يكن مع ابى ال20ج ولكنه استحى وسكت وجدت عدد من التلاميذ معى فى المنزل وبدات المطالبات بدفع الرسوم حتى الصف الثانى ولم ادفع والناظر يلح ولم اشكو لاحد (وقطعتها فى مصارينى )فى الصف الثاتى المدرسة اصبحت حكومية واصبحت المصاريف 15ج لكن على متاخرات فى الصف الاول وظل النظر يطردنى واخرج من حصته واتابع الحصة بالشباك ووظللت مطرودا من شباك لشجرة حتى موعد الامتحان واذكر طلاب الاولية ممتحنين وارسلنى احدهم لرؤية ابنه وللاسف رانى الناظر وغدا الامتحان وقال لى لو ماجبت الرسوم ما تتمتحن ولم انم تلك اليلة ومشيت المجلس البلدى سمعت عندهم دعم وجاء مسوؤل المكتب ومن الرهق نمت امام الباب وسالنى الرجل فقلت له بدرس فى الوسطى والناظر طردنى فى الرسوم وغدا امتحان وانا مطالب رسوم الصف الاول والثانى و الصف الثالث والرابع فقال الرجل نحن بندفع ليك 4ج بعد اجتماع اللجنة بعد شهر فخرجت اجرجر اذيال الخيبة وحملت شنطى وذهبت للمدرسة وصلت البوابة وشاهدنى نائب الناظر اسمه عربى وهاج وماج (قاعد بره مالك ؟فقلت له الناظر طردنى فقادى لداخل المدرسة وتبقى للامتحان 5ق ومنحنى قلمه واول ما قعدت الناظر جاء وطاب منى ان ان ابصص التلميذ الذى يجلس خلفى وامتحنت ونجحت الحمد لله وكان القانون اذا كنت تدرس فى الوسطى بقروش لا تقبل مجانا فى المدارس الثانوية
الدخول المرحله الثانوية:
يواصل د.احمد الامين الشيخ اول الشهادة السودانية حكايته بعد امتحان الشهادة المتوسطة وانتظار قبوله عبر اذاعة الاسماء فى الراديو ولم يكن بطابت سوى راديو او اثنين واحد فى قهوة مختار حسب النبى ومهمة الراديو جذب الزبائن واذا قعدت مدة طويلة ولم تشرب تطرد والراديو الاخر عند جدنا قسم اللة مضوى ومشيت لراديو الحلة وسمعت اذاعة الاول مشترك ثلاثة واذيع اسمى الرابع للقبول بالمدارس الثلاثة واذكر منهم الفاضل من الشوال وتم قبولى ب20ج فى خور طقت والنظام كان يقبل الاول حنتوب والثانى وادى سيدنا والثالث خورطقت والعكس فى العام القادم وهكذا، ووقع هذا الخبر كالصاعقة على اسرتى لانى قبلت فى الاوسطى بقروش وجئت البيت فكان الشعور العام اشبه ببيت البكاء فوجم ناس البيت،ولم تكن هناك فرحة ابدا ، ابوى قال يعيد السنة حتى يقبل مجانا ، امى قالت اذا لم يقبل للمرة الثانية يكون اضاع عاما اخر،فوالدى زهج وقال الموضوع ده اقفلوه لمن ياتى وقته ،وجاء خطاب من مدرسة خور طقت يطلب ارسال 7ج امنية ومعه تصريح للقطار من الحصاحيصا للابيض ، ابوى قال الامنية قالوا رجعوها ومعها 150 قرش مصاريف الفترة لمدة ثلاثة اشهر معى شقيقى فى الصف الثالث بخور طقت
مدرسة خور طقت الثانوية
،ذهبت للمدرسة بالقطار وبدات الدراسة حتى جاء امتحان الفترة الثانية وتم طرد احمد الامين من المدرسة قبل امتحان الفترة وبعد الامتحان تدنى مستواه بشكل مريع وكان ترتيبه 34 وهذا دلالة كافية على ان الاستقرار مهم للنجاح وانتقل للصف الثانى وتكرر نفس السيناريو وطرد اكثر من مرة بسبب الرسوم ويقول احمد الامين (انا فى الصف الثالث قررت اغادر المدرسة وكنت اثناء فترة طردى بين اولى وثانية اذهب لوزارة التربية ومجلس الحصاحيصا بحثا لمشكلة الرسوم وارجع خور طقت تانى لكن ما بمشى طابت لان ابوى قال لى اذا طردوك ماتجى راجع تشتغل فراش وانا دى ذاتها ما لاقيها ،المهم لملمت حقيبتي واستعديت لمغادرة المدرسة فجاء الفراش وقال استاذ فرحات دايرك )فقلت له جاى‘، وذهبت وقلت له (مدرستكم دى انا فآيته فآيته ) الأستاذ كان راقيا سالنى : انت عارف انا ناديتك ليه ؟ قلته ليه ؟ عشان التصاريح والكتب وضعتها وغادرت المكتب ، زجرنى بحسم: تعال ياولد اقعد وكانت اول مرة اقعد فى مكتب الاستاذ ، وسلمنى خطاب من التربية والتعليم جاء فيه ( يقبل الطالب احمد الامين الشيخ مجانا وتعفى المتاخرات ) وكانت فرحة لا توصف وسلمنى خطاب اخر من مجلس الحصاحيصا به اعانة ثمانية جنيهات ومشيت طوالى على البوستة وأرسلت 6ج للأسرة وكانوا سعداء جدا لاعتقادهم اننى توظفت فراش ) ويتامل احمد الامين واقعه يوم ذاك ويقول ( 6ج كانت لا تعد من كثرتها وانا شعرت بالاستقرار وتفرغت للدراسة وشعرت بالاستقرار التام وانكببت على العلم والحمد لله ربنا عوضني وأحرزت المرتبة الاولى على مستوى السودان بالاشتراك مع د.احمد محمد على الشيخ مدير جامعة الخرطوم السابق وهو من دفعتي فى خور طقت .
جامعة الخرطوم
مدينة الخرطوم يومها لامثيل لها وتمثل قمة الإبهار لطالب آت من الريف ،ويرى احمد الأمين الشيخ ،(جئت جامعة وكانت البلاد تشهد تطورات سياسية كبيرة وشهدنا قيام ثورة اكتوبر وزاملنا الشهيد القرشي بكلية العلوم وهو يسبقنا بعام او عامين وحضرنا الندوة التى انطلقت منها شرارة الثورة وأتذكر جيدا ان الرصاصة التى أصابت القرشي مرت تحت ارجل مهدي إبراهيم وكان خطيبا مفوها وحكاية عجيبة واللة نضام نضمى عجيب!! وشاركنا فى المظاهرات واعتقلنا فى بحري لمدة يومين حتى ظن اهلنا اننا توفينا وفرشوا علينا .
دخلنا جامعة الخرطوم 16طالب من خور طقت وكونا رفقة مأمونة وكان معي مأمون حميدة واحمد محمد على الشيخ وكان فى دفعتنا طالبتين واحدة من طابت اسمها فاطمة مختار اختصاصي أطفال فى انجلترا تزوجها على محمد عثمان يس وزبر العدل الاسبق وهو درس الاداب والقانون والطالبة الاخرى تسنيم محموداللة باكستانية والدها كان استاذ بالجامعة بكلية الاداب وتزوجت من ودمدنى وفى الجامعة شهدنا اتحاد حافظ الشيخ الزاكى وربيع حسن احمد وكانت السنة الاولى بكلية العلوم عامرة بالنشاط وبعد انتقلنا الى كلية الطب دخلنا فى زحمة الدراسة وتفرغنا تماما للأكاديميات.
الخرطوم المدينة كانت مبهرة جدا لاول مرة اشوف البنات فى الشارع والعربات الكتيرة والعمارات وحاجات كده ما اعتدنا عليها فى الريف.
فى الجامعة لم تبهرنى العلاقات العاطفية وكنت بقول لزملائي( واللة البحب ليه بنت وهو مفلس زول غبيان ساى وأنت لاقى قروش لمن تحب بيها ؟ ونحن جينا من مجتمع جاد جدا امسك واقطع ليك ،الحب مكلف هدايا وبعدين هل بتحقق؟ ) وكنا نمشى حتى شارع البرلمان كدارى وكنا نسميه شارع السترة ،و نمشى السينما مرة فى الشهر بعد ما نصرف الاعانة.
فى كلية الطب تتلمذنا على يد دكتور داؤد مصطفى ود.منصور على حسيب ود.عبد الرحيم محمد احمد عليهم الرحمه، واحمد محمد الحسن ولطفى وعلى كمبال وكمال زكى وعلى خوجلى
تخرجت ومرتبى 65ج وكان مبلغ مهول مهول ويوم تخرجى عقد اجتماع فى البيت ْونحرت الذبائح، لتوزيع المبلغ 65ج ابوى قال لى انت محتاج لشنو؟ قلت له داير10ج للميز وادانى 5ج مصاريف ولمدة عامين عشت ب15ج والمبلغ شيدنا منه
منزلنا ألان برندات وغرف وحمام وصالون والحمد لله
اتذكر انا طفل كنت زى السوسيو من ما مرقت من بطن امك وفتحت تكوس رزقك ، كنت ببيع التسالى والرغيف لان اذا قلت داير قروش تخلى القراية طوالى ، كنت بمشى الطابونة بعد الفجر بجيب رغيف بعشرة وبربح قرشين وتاانى بجيب بربح قرشين وبخلى فى للبيت ثلاثة قروش .
احرزت الدرجة الاولى فى كل المواد عاد الدين احرزت الدرجة الثانية لا اعرف لماذا وكان عندنا افضل المدرسين .
ويؤكد د.احمد الامين الشيخ من عبر خبرته الطويلة المهنية والعلمية فى الحقل الطبى ممارسة وتدريسا ان الطب فى السودان لا يناسب المرأة ، ويرى إما ان تتفرغ المراة للطب على حساب الاسرة واما تترك الطب لصالح الأسرة وكنت أقول لطالباتي بكلية الطب تمقلبتن ،بصراحة الطب فى السودان للمرأة خراب بيوت اما بالطلاق او عدم تفرغ للمنزل اوما تزوجت والشواهد كثيرة وبناتي عرفن الحاصل وتجنبن الطب ومشن للصيدلة والحاسوب ،واحدة قبلوها فى الطب استقالت ومشت حاسوب ، وأنا فى رأى والله البنت ان طارت السماء ده بدون زواج family لامعنى لحياتها .
يرى د.احمد الأمين الشيخ ان النجاح زمان عنده طعما حقيقيا لانه غير مصنوع و الجهد الشخصي فيه كبير والطالب يسعى جاهدا لتطويع ظروفه حتى ينجح ، فالظروف ألان أحسن والجهد الشخصى قلبل والنجاح مافيه تعب وضنك زى زمان وطبعا لكل جيل ظروفه وطرائقه فى ممارسة الحياة.
اعداد:خالد البلولة