اعتبارات كثيرة ..!

«حكومة الخرطوم مسئولة عن هروب المستثمرين من أراضيها»..
صالح كامل..!«ميم عين»، مواطن سوداني كامل الدسم، حصد النجاح والمال في أوروبا، واستثمر علاقاته الجيدة بالتجار وسمعته الطيبة بين مدراء البنوك في إبرام اتفاقية لتنفيذ مشروع صناعي ضخم (يطبق فيه أبحاثه في رسالة الدكتوراة، ويسهم في دفع عجلة التنمية في البلاد) ..! انتزع ميم من هؤلاء وعداً بالشراكة ومن أولئك وعداً بالتمويل، ثم عاد إلى الخرطوم ممنياً النفس بتحقيق فتح علمي واقتصادي جديد، وبينما كان ينقض غزل المخاوف، وينسج ثوب الأمنيات، استيقظ ذات صباح ليجد أن الرئيس الراحل جعفر نميري قد استيقظ بدوره – في ذات الصباح – على قرار تطبيق الشريعة الإسلامية.. تطبيقها جداً.. جداً ..! سحبت البنوك وعودها، وانطفأت حماسة المستثمرين الأجانب، لأن بلاده أصبحت في القائمة السوداء، فأورده اليأس موارد الخسران التجاري المبين.. لكنه قرر أن يشعل شمعة بدلاً عن أن يلعن الظلام، فسافر إلى الخليج ليبدأ من جديد..! استقر به المقام في الكويت، وهناك شرع في بناء سمعة جيدة وتجارة رائجة قوامها حسن سمعة في منطقة الخليج كلها.. كان ميم يتذوق بهدوء نشوة نجاحه المهني عندما قرر صدام حسين غزو العراق..! أعلنت بلاده – عبر قرار سياسي غير مدروس- وقوفها في المعسكر الآخر، وتنديدها بوجود قوات أجنبية على أرض الحرمين، وخرج مواطنوه في الشوارع منددين بخرق مبادئ الشريعة الإسلامية– بحسب تعبيرهم- فلم يعد له “وجه سياسي” يقيم على أساسه في بلاد الناس..! عاد ميم إلى بلاده ليصطدم بجملة تدابير متعسفة، وقرارات متسلطة، ومناخ تجاري قاحل لا يستوعب القادمين من الخارج فلدغ من جحر الخسارة مرتين.. وبعد نوبة إحباط لا مثيل لها، حط رحاله في مصر.. وهناك أعاد رتق ما تمزق في ثوب عزيمته فكان له بعض ما أراد..! مركب ميم الشراعية كانت تسير منسابة تدفعها نسائم حُسن الجوار إلى أن وقعت حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، فكثر اللغط هناك حول تورط حكومة بلاده، وتسببت حزمة منقصات رسمية وشعبية ترتبت على الحدث في بقاء بعض أبواب الرزق مواربة في وجهه، الذي سئم الخذلان، فقرر أن يهاجر إلى أي بلاد ناطقة بغير أبجد هوز..! عاد ميم إلى أوروبا، حيث لا يؤثر توعك مزاج حاكم في تعكير صفو حياة مواطن.. وهناك حقق بعقليته التجارية من النجاحات، ما أقال عثرته وفتح أمامه أبواب الأمل.. فحاول أن يعيد كرة الاستثمارات الهجين في بلاده – بعد انفصال الجنوب- لكن تجربة قصيرة مريرة– مع تخبط الاقتصاد وتضارب القرارات- جعلته يتخذ أهم قرار مهني في حياته..! أخرج ميم المواطن الصالح – والمستثمر الملدوغ من جحر المزاج السياسي مرات ومرات– فكرة الاستثمار المحلي من رأسه لآخر مرة.. أخرجها ولن يعود..! “ميم عين” شخصية حقيقية قابلتها وجهاً لوجه.. وكل التفاصيل الواردة في الحكاية أعلاه واقعية .. فهل من مُذَّكِر..؟

Exit mobile version