تذخر دارفور الكبرى بإرث ثقافي وفني عظيم، عميق المعاني وقوي الرسوخ في نفوس أهل هذا الإقليم، الذي جنى عليه بعض أبنائه، وهم الذين كان من الأوجب عليهم أن تتوحد كلمتهم ومواقفهم حول كثير من القضايا الأساسية، خاصة تلك المتصلة بشؤون الحكم ونظم الحكم الأهلي الذي يعتبر واحداً من أقدم أنظمة الشراكة بين السلطة والمجتمع.
في النصف الأول لعقد سبعينيات القرن الماضي وكنا وقتها طلاب علم في المدارس الثانوية، نظمت لنا مدرستنا العريقة أم درمان الأهلية الثانوية العليا رحلة إلى دارفور وتحديداً إلى مدينة “نيالا” الساحرة التي انطلقنا منها إلى “جبل مرة” الذي بهرنا جماله واختلاف طقسه ومناخه (البحر أوسطي) الذي تنمو فيه الموالح الجيدة والأعناب والتفاح، وشدنا آنذاك صوت مطرب شعبي محلي – نسيت اسمه – كان يتغنى بأغنيات المنطقة، أو بأغنيات السودان المختلفة بلهجة خاصة. ورسخ ذلك الصوت في أذهاننا نحن صبية ذلك الزمان، مع أغنية مشهورة رددها على مسامعنا فحفظها البعض، ولم تستطع أن تصنع لها أجنحة تأخذها إلى عالم النسيان، وكانت بعض كلماتها تقول:
غالي علىَّ يا يمه غالي على حبيبي
أماتنا يا الوالدات أبقن كبار عاقلات
طبعاً زمنكن فات.. الزمن زمن شابات
تقدمي
وبرزت لاحقاً أغنيات وجدت قبولاً لدى كل أهل السودان، رغم غياب الصوت الغنائي الدارفوري من أجهزة الإعلام، إلا في حالات نادرة، قبل ظهور الفنان المبدع صاحب الصوت الندي الأستاذ “عمر إحساس”، وقد أصبح أيقونة لفنون وتراث هذا الإقليم الثري بأهله وثقافته وفنونه، الغني بموارده التي جعلته هدفاً لكثيرين عملوا على تمزيقه بالحروب والاقتتال المستمر.
من أغاني التراث الدرافوري الكردفاني المشترك، أغنية “الجنزير التقيل” التي تقول بعض كلماتها:
الجنزير التقيل البقلّا ياتو
البوقد نارا يدفاها هو
يا ولد الدرجات المأصل الماك نفوا
يوم الحارة الزول بلقى أخو
أعان الله أهل دارفور – كلها – وأعان ولاتها وقياداتها الأهلية، فقد عانت دارفور وتشرد بعض أهلها وأصبحوا بين نزوح ولجوء بسبب الحرب اللعينة، التي ما أراد لها شياطين الجن أن تضع أوزارها.
الآن بدأت خطوة مهمة وضرورية بولاية جنوب دارفور في طريق الأمن والاستقرار، وهي خطوة جمع الأسلحة الثقيلة من المواطنين التي أعلن عنها المهندس “آدم الفكي الطيب”، وذلك إنفاذاً لتوجيهات رئاسة الجمهورية بجمع الأسلحة الثقيلة من المواطنين بكل محليات الولاية.
الخطوة الكبيرة المسنودة بقوة مشتركة على رأسها القوات المسلحة وتضم أجهزة الأمن والشرطة وقوات الدعم السريع، لابد لها من سند ودعم أهلي وشعبي إذ لابد أن تتكاتف الجهود لترسيخ مبدأ هيبة الدولة، مع ضرورة تحديد جدول زمني لإكمال المهمة الكبيرة مع تطبيق القانون على المتفلتين بصورة حاسمة ورادعة. ونقول لوالي جنوب دارفور المهندس “آدم الفكي” ولمعاونيه ولكل أهل الولاية .. أعانكم الله.