وحين تريد أن تقرأ العالم وتقلده، عليك مذاكرة أخباره جيّدًا، ولكي تحصل على أخبارٍ مؤكدة، اذهب مباشرة إلى رويترز، ثم طُف ببقية الوكالات للاستزادة من التفاصيل فقط لا غير.
ورويترز تنقل، أمس السبت، أن أسعار النفط تراجعت يوم الجمعة بفعل مبيعات لجني الأرباح بعد مكاسب قوية على مدى الأسبوع دفعت الخام الأمريكي إلى تسجيل أكبر زيادة أسبوعية في سبع سنوات. لكن في التفاصيل تظهر أمور أخرى، تكاد أطيح بالتباشير (الرويترية)، إذ تقول: لكن ارتدت الأسعار عن مكاسبها المبكرة وتحولت للانخفاض عقب نشر أحدث بيانات أسبوعية من شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية التي أظهرت عاشر تراجع أسبوعي على التوالي في عدد الحفارات النفطية في الولايات المتحدة، وهي بيانات إيجابية للنفط لكن المتعاملين والمستثمرين اختاروا أن يبيعوا لجني الأرباح، وهكذا أنهت عقود (خام القياس العالمي) مزيج برنت لأقرب استحقاق جلسة التداول على انخفاض بلغ 19 سنتا أو ما يعادل 0.54 بالمئة لتسجل عند التسوية 35.10 دولار للبرميل بعد أن كانت قفزت في وقت سابق من الجلسة إلى 37 دولارا، وهو أعلى مستوى منذ الخامس من يناير المنصرم. وأغلقت عقود الخام الأمريكي منخفضة 29 سنتا أو 0.9 بالمئة إلى 32.78 دولار للبرميل بعد أن كانت قفزت نحو 1.7 دولار في وقت سابق يوم الجمعة.
وبالتزامن مع ذلك الصعود الذي أعقبه انخفاض، تواترت أخبار أخرى عن تعطل خط أنابيب في العراق وآخر في نيجيريا مما سيتسبب في حجب أكثر من 800 ألف برميل يوميا عن السوق العالمية على مدى الأسبوعين القادمين على الأقل. وقال محللون إن هذه التعطلات ستعوض عن طريق عروض بزيادات في الإمدادات قدمتها إيران مؤخرا.
وإيران هذه، هي نقطة الجذب في الخريطة الاقتصادية العالمية الماثله، ليس في ما يتعلق بالنفط فقط، بل حتى بالتسويات السياسية الكبرى، خاصة وأنها فاجأت العالم والمحيط للمرة الثانية – بعد إنجاز الاتفاق النووي – بفوز أولي للإصلاحيين يرجح أنه سيحدث انقلابًا كبيرًا في النظام السياسي برمته، خاصة بعد تحقيق رفسنجاني وروحاني فوزًا ساحقًا في انتخابات مجلس الخبراء، الذي سيختار أعضاؤه الزعيم الأعلى المقبل للبلاد.
الخسارة الكبيرة التي مُني بها المحافظون وصلت حد أن فاز رصفاؤهم في التيار الإصلاحي بكل مقاعد البرلمان عن العاصمة طهران وعددها ثلاثون بينهم ثمانية للنساء. ووصل أمر إطاحة المتشددين عبر انتخابات نزيهة وحرة حد خسارة وجههم البارز غلام حداد لمقعدة في البرلمان.
بطبيعة الحال، لا يمكن قراءة ما يجري في الشرق الأوسط دون الالتفات إلى سوريا، التي تعد إيران فاعلة فيها، وإلى مواقتها بجانب حلفائها (روسيا ونظام الأسد وحزب الله) على اتفاق الهدنة الذي لا تشمل تنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة). وأن هنالك اتجاهًا دوليًا ينضج على نارٍ هادئة بين أميركا وروسيا وإيران على سحب الأخيرة قواتها من سوريا، مقابل مكاسب اقتصادية ودور سياسي كبيرين. وكي يتحقق ذلك مضت الأمور الداخلية الأيرانية نحو فوز الإصلاحيين.
والحال هذه، ها نحن ننظر، إلى سياسيينا يهرفون والبلاد ماضية نحو الهاوية، الاقتصاد يتردى، الأسعار ترتفع، الفساد يستشري، الأحزاب تنقسم، ويظنون أن البترول مهم، لا ليس مهمًا، المهم هو الاستقرار والإصلاح السياسي وإيقاق الحرب ومحاربة الفساد، والمهم في الاقتصاد ليس البترول، فحتى خام برنت المعياري (دق الدلجة، وسيدق)، المهم هي الأراضي الزراعية والمياه، ننتج الغذا للعالم فتتوقف الحروب كلها، لكننا لن نستطيع، لأننا نبدأ دومًا بطريقة خاطئة.
الآن، علينا بإصلاح سياسي جاد، ثم سينتعش الاقتصاد.