لم يكن موفقاً أن يبث الإعلام الرسمي أخبار الحملة التفتيشية التي نفذتها السلطات يوم السبت على مقاهي الإنترنت بولاية الخرطوم، طالما أنها حملة خاصة بمقاهي الإنترنت المرخصة والتي من الطبيعي أن تتم حملات تفتيشية لها ومن الطبيعي أيضاً أن تكون هناك ضوابط ولوائح يمكن اتباعها وتنفيذها دون ضوضاء إعلامية ولفت انتباه لهذه الأرقام والأعداد من المخالفات للآداب العامة.. لأن النشر ضار بالقضية نفسها.. قل لي كيف؟
أقول لك إن الحملة مطلوبة وحجب المواقع الإباحية واجب بل يجب تطوير وسائل حجبها وإلزام الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت بحظر كل موقع أو محتوى مخل بالأخلاق والآداب.. لكن نشر الخبر ووضعه ضمن قائمة إنجازات الجهات المنفذة لهذه الحملة لا يحقق أكثر من (الشو) الإعلامي لهذه الجهات.. الـ(شو) المكلف جداً على الصعيد نفسه، لأن تفشي ظاهرة ارتياد المواقع الإباحية في السودان ظاهرة سلوكية لها ارتباط كبير بثقافة المنع والحظر نفسها بجانب غياب المعرفة بخطر وتأثير هذا السلوك على الحياة والمستقبل الجنسي للشاب أو المراهق الذي يدمن مشاهدة الأفلام الإباحية .
أما مسألة ارتباط الترويج للحظر بزيادة تفشي الظاهرة فهي مسألة معروفة وتفسرها مقولة (الممنوع مرغوب).. خاصة وأن هناك خيارات أخرى لتحقيق تلك الرغبة غير خيار مقهى الإنترنت.. فنحن في زمان يتاح فيه الإنترنت بأوفر مما يتاح الخبز والماء والهواء النقي.. زمان تحولنا فيه إلى مقاهي إنترنت تمشي على قدمين.. ومقاهٍ نصطحبها معنا في الطريق فلا تنشروا أخبارا تثير وتزيد من فضول الباحثين عن هذه الإباحية بأمان من حملات التفتيش.. بل ركزوا على جعلها قناعة وسلوكا عند الشباب..
فغياب المعرفة والجهل بالجنس نفسه مع غياب التوجيه والرقابة الأسرية يقود البعض إلى محاولة اكتساب هذه الثقافة من خلال تلك المواقع التي في الحقيقة لا تقدم ثقافة جنسية بل تقدم إباحية وجرعات تخريب لأخلاق المجتمع .
مطلوب من الجهات التي تتولى هذه المهام أن تزهد في سرد إنجازاتها من هذا النوع في وسائل الإعلام.. ازهدوا وقوموا بعملكم الطبيعي هذا في صمت بلا ضجيج إعلامي، لأن الترويج لحملاتكم يزيد من انتشار هذه الظاهرة السلوكية الخطيرة، ثم ألزموا الشركات التي تقدم خدمات الإنترنت بحجب المواقع الإباحية حجباً لا يسهل كسره.. وهذا يحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة لا تريد تلك الجهات على ما يبدوا أن تتحملها.. فحجب المواقع بشكل احترافي متقدم هو عمل مكلف جداً حسب معلوماتنا لكنه يقلل كثيراً من حجم انتشار هذه الظاهرة ..
وأقصد الحجب الناجح وليس الحجب الاستعراضي بأن تقول الهيئة إنها حجبت 18 موقعاً من بين ملايين المواقع والصفحات الإباحية في الإنترنت..
ثم ابحثوا عن طريق آمن أخلاقياً ومناسب مع ثقافتنا السودانية وممكن لإزالة الجهل حول هذا الموضوع وقتل الفضول المدمر.. لا نطالب بمناهج ثقافة جنسية في المدارس فتلك قد تكون صادمة ومرفوضة في مجتمع محافظ لكن علينا أن نقدم جرعات توعية بأي شكل وللجميع تعرفهم بآثار وأخطار هذه السلوكيات.. فكما أن (الممنوع مرغوب) فكذلك (الجهل مصيبة) .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.