دخل قرار وقف اطلاق النار بين الأطراف المتصارعة في سوريا حيز التنفيذ مع حلول منتصف الليل، فيما طالب مجلس الأمن الدولي مساء الجمعة 26 فبراير/ شباط 2016 بالإجماع كلّ أطراف الصراع السوري بالالتزام ببنود الاتفاق الروسي -الأميركي “بوقف الاقتتال”.
وجاءت المطالبة ضمن قرارٍ مشترك طرحته روسيا والولايات المتحدة.
وحثَّ القرار أيضاً الحكومة والمعارضة على استئناف محادثات السلام التي تجرى بوساطة الأمم المتحدة.
على ضوء هذا المشهد يملك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصةً للاستفادة من المكاسب التي حققها في سوريا بالتزامن مع وقف إطلاق النار منتصف ليل الجمعة 26 فبراير/ شباط 2016، ما يعطيه الفرصة الآن للتفاوض على الساحة الدولية كأحد دعاة السلام.
ففي الوقت الذي سيمنح فيه التقدم الهائل الذي حققه الجيش السوري حول حلب فرصة لدمشق للتفاوض مع خصومها من موضع قوّة هذه المرة، فإن وقف إطلاق النار المتوقع سيعطي فرصة لبوتين للظهور أقوى بعد حملة قوية من الضربات التي شنتها روسيا خلال الأشهر الخمسة الماضية، بحسب تقرير نشرته نيويورك تايمز الأميركية.
ما الذي تستفيده روسيا من وقف إطلاق النار؟
توقف القتال سيؤدي أيضاً إلى تجنب أي مواجهة لروسيا مع تركيا، والتي كانت قد تعهدت مؤخراً بالتصدي للهجوم الكردي شمال حلب، حيث كان من الممكن أن يؤدي التدخل التركي إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، وهو ما يريد بوتين تجنبه حالياً.
الفوائد التي تعود على روسيا لن تتوقف عند هذا الحد، فمع اشتراك أميركا في العمليات داخل سوريا بالتوازي مع ما تقوم به روسيا، استطاع بوتين أيضاً تحقيق هدفه بوضع موسكو كأحد اللاعبين الأساسيين دولياً، بل وعلى قدم المساواة مع واشنطن.
منذ انطلاق الضربات الجوية الروسية في سوريا في 30 سبتمبر/ تشرين الأول الماضي، قام الكرملين بحثّ أميركا على تنسيق الجهود العسكرية بين الدولتين، إلا أن واشنطن اتهمت روسيا باستهداف المدنيين والمعارضة المسلحة، بدلاً من استهداف العدو الأساسي وهو تنظيم “الدولة الإسلامية”(داعش)، ولم توافق واشنطن في النهاية سوى على تبادل المعلومات بشأن الضربات الجوية لتجنّب وقوع حوادث جوية، فيما ردّت روسيا بتحدي أميركا بتحديد أسماء المجموعات والمناطق التي لا يتوجّب على الطيران الروسي استهدافها.
تعتبر اتفاقية وقف إطلاق النار الحالية مرضية، حيث ستسمح لروسيا وأميركا بتبادل المعلومات حول المجموعات التي ستلتزم بوقف إطلاق النار، والمجموعات الأخرى المتطرفة مثل “داعش”، كما ستسمح عملية تبادل المعلومات لموسكو بتفادي الانتقادات حول ضرباتها الجوية، في الوقت الذي ستتحول فيه مجموعات المعارضة المسلحة التي تنتهك وقف إطلاق النار إلى أهداف مشروعة.
وبينما يطمح رئيس النظام السوري بشار الأسد بشكل كبير إلى استعادة السيطرة بشكل كامل على مدينة حلب، وهي أكبر المدن السورية والعاصمة التجارية للدولة قبل الحرب، يعتبر بوتين أن استعادة المدينة ليست عاملاً مهماً لنجاح استراتيجيته في سوريا.
سوريا.. والحل الوسيط
كان الجيش السوري قد استطاع السيطرة بالفعل على أغلب النقاط الرئيسية حول مدينة حلب، كما تمكن من قطع الإمدادات عن المعارضة، وهو ما يكفي من وجهة نظر بوتين لدعم موقف الأسد في محادثات السلام وإجبار أميركا وحلفائها على التفاوض حول حلٍّ وسط للأزمة السورية.
وكانت محادثات السلام في جنيف قد توقفت في يناير الماضي دون تحقيق أي نتائج، حيث اشترطت المعارضة السورية وقف الغارات الجوية الروسية لاستئناف المفاوضات.
يقضي اتفاق وقف إطلاق النار الحالي بالسماح لروسيا والتحالف الذي تقوده أميركا بمواصلة العمليات ضد داعش، وجبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة في سوريا)، والتي تعتبر من أهم القوات التي
تقاتل حول حلب وغيرها من المناطق، كما تتحالف معها مجموعة من المجموعات الجهادية الأصغر، لذلك، مازالت هناك الكثير من الشكوك حول جدوى تلك الهدنة التي تم إعلانها.
أيضاً يبقى من غير الواضح الكيفية التي ستقوم بها أميركا وروسيا بالتمييز بين مجموعات المعارضة المختلفة مع كثرة عددها واختلافها.
لم تبدِ تركيا والسعودية ودول الخليج الأخرى التي دعمت قوات المعارضة في سوريا ارتياحها للاتفاق الحالي، حيث ظهرت الكثير من المخاوف من أن يصب الاتفاق في مصلحة الأسد في النهاية بعد الثورة التي بدأت في مارس 2011 وأدت إلى تشريد أكثر من نصف سكان سوريا بالإضافة إلى مقتل ما يزيد عن ربع مليون سوري.
التدخّل السعودي بديل الهدنة
وكانت السعودية وتركيا قد بدأتا بحث تدخّلٍ على الأرض في سوريا، وهو ما سيحدث بشكل مؤكد في حال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، حيث ترغب تركيا في إيقاف القوات الكردية شمال حلب، إذ تعتبرها خطراً لابد من التعامل معه.
وفي حال قيام تركيا بإرسال قواتها إلى سوريا، فإن هذا سيعني بشكل واضح تفاقم الصراع في سوريا، حيث أن العلاقات بين موسكو وأنقرة قد تراجعت بشدّة منذ أن قامت تركيا بإسقاط مقاتلة روسية اخترقت أجواءها في نوفمبر الماضي، فيما طالب بوتين الجيش الروسي بعد ذلك بتدمير أية أهداف تهدّد المقاتلات الروسية.
وفي الوقت الذي يرغب فيه بوتين بالرد بقوة على ما قامت به تركيا، إلا أن آخر ما يرغب فيه هو الدخول في صراعٍ حالي مع الناتو الذي تُعتبر تركيا أحد أكبر أعضائه.
نتيجة لهذه الأسباب، يعدّ وقف إطلاق النار هو الخيار الأفضل بالنسبة لروسيا حالياً، ومن المتوقع أن يبذل بوتين قصارى جهده لتستمر الهدنة، حيث تواصل مع الأسد ليتأكد من التزامه بوقف إطلاق النار، كما تواصل مع قادة السعودية وإيران وإسرائيل هذه الأسبوع للنقاش حول الأمر.
وفي الوقت الذي تعهّدت فيه روسيا بمواصلة العمليات ضد داعش وجبهة النصرة، من المتوقع أيضاً أن يقوم بوتين بتخفيف حدّة الغارات الجوية في المناطق التي تتواجد فيها جبهة النصرة مع مجموعاتٍ أخرى مدعومة من أميركا لتجنّب انهيار الهدنة الحالية.
سكاي نيوز عربية