هدم القطاعات المنتجة

*عندما استعرض وزير المالية الاتحادي خطة وزارته للعام الحالي، أورد فيها أهدافاً وصفها بالإستراتيجية، وذكر أنهم يسعون إلى رفع معدل الإيرادات، وتوسيع قاعدة الإنتاج، ودعم القطاعات المنتجة، وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين.
* خُرقت الموازنة قبل أن يجف حبرها، وتم رفع الدعم عن الغاز، فتضاعفت كلفته أكثر من ثلاث مرات، وتمت زيادة فاتورة المياه بنسبة مائة في المائة، وازدرت حكومة ولاية الخرطوم شعار (دعم القطاعات المنتجة) بفرض رسوم باهظة على كل مصانع الولاية.
* الرسوم الحكومية التي فاق عددها الألفين عند تطبيق قرار التحصيل الإلكتروني، لم تكف حكومة الولاية، فأتبعتها بأخرى جديدة، تتحصل بموجبها على جنيهين عن كل جوالٍ للردة، وعشرة قروش عن كل طن للبوهية، ومائة وخمسين جنيهاً عن كل طن حديد، وجنيهين على كل طن سيراميك، وخمسة جنيهات عن كل ماسورة حديدية، وجنيهين عن كرتونة صابون التواليت، وخمسة قروش عن كيلو صابون البودرة، بخلاف الرسوم المفروضة على الأدوات الكهربائية.
* تم فرض مائتين وخمسين جنيهاً عن كل ثلاجة، ومكيف وفرن كهربائي، وهلم جبايةً وإثقالاً على المُصنّعين!
* غني عن القول إن كل تلك الرسوم تقع في خاتمة المطاف على عاتق المواطنين، لكن تأثيرها على القطاع الصناعي نفسه خطير وكبير، لأنها ترفع كلفة الإنتاج، وتزيد أسعار المنتجات، فتتأثر المبيعات، ويسقط شعار (تحفيز القطاعات المنتجة) بالقاضية الفنية.
* كتبنا من قبل عن انعدام (الهارموني) بين المركز والولايات، عند تطبيق السياسات الاقتصادية.
* الوعود التي تبذلها وزارة المالية للمواطنين، وتتعلق بخلو الموازنة الجديدة من الرسوم والزيادات الضريبية لا تحظى بالحد الأدنى من الاحترام لدى وزارات المالية الولائية، ولا تأبه لها المحليات، ولا تشغل المجالس التشريعية الولائية نفسها بتحويلها إلى واقع، لأنها مهمومة بتحصيل أعلى قدر من الرسوم لتغطية فواتير الصرف الحكومي المتصاعدة.
* القطاع الصناعي المثقل بالهموم والرسوم يعاني الأمرين في الأصل، وعدد المصانع المتوقفة عن العمل، والمتعثرة والمهددة بالتوقف يسير إلى ارتفاع.
* ذلك الواقع الكئيب كان يفرض على الحكومة أن تجتهد لتنفيذ وعودها المتعلقة بدعم المنتجين، لأن توقف مصنع واحد يؤدي إلى تشريد مئات العاملين، ويرفع معدلات البطالة، ويفاقم حدة العوز في دولة تبلغ فيها نسبة الفقر قرابة خمسين في المائة.
* نستعرض الواقع الكئيب للصناعة السودانية، وفي البال الوعود البراقة التي أطلقها وزير الصناعة السابق، (السميح الصديق) وتحدث فيها عن تحويل السودان إلى دولة صناعية في غضون خمس سنوات.
* لو استمر النهج الحالي، وتواصل فرض الرسوم والجبايات على المصانع، فسيتحول السودان إلى دولة منزوعة الصناعة في أقل من الفترة التي ذكرها السميح.
* هذا بخلاف أن النهج المذكور يقضي على أهم أعمدة برنامج إصلاح الدولة، ويصيب البرنامج الخماسي للاقتصاد بعاهاتٍ مستديمة، لأنه يقلص الإنتاج، ويدمر صناعةً، تعيش أصلاً في غرفة الإنعاش.

Exit mobile version