جلس القاضي في صالونه باحدى المناطق بالولايات ليستقبل مجموعة من رجال الحي الذين كانوا في زيارة له نسبة لأن القاضي كان طريح الفراش، وباشرهم ببشاشة ورحب بهم، وكان الرجال دائماً يهتمون بحديث القاضي وما يورد من قصص يستفيدون منها، ولم يمنع المرض القاضي من سرد قصة كانت عالقة في ذاكرته لما تضمنته من احداث، وقال لهم: في يوم حافل بالقضايا الشرعية من طلاق وزواج ونفقة فتحت ملف آخر قضية في اليوم لأجدها نزاع اشقاء حول تركة والدتهم، وجاءت الأسرة المكوَنة من «5» أشقاء «بنت واربعة أولاد» إضافة إلى والدهم، إلى المحكمة لحصر تركة والدتهم التي توفيت قبل شهرين من مجيئهم إلى المحكمة، وكانت تملك الكثير من العقارات والمجوهرات التي ورثتها عن والديها، فكانت هي الابنة الوحيدة لهم، وبمكاتبة من والدها أصبحت تملك ذاك الكم الهائل من العقارات التي حصرتها المحكمة في «4» بنايات تحتوي كل بناية منها على «6» شقق بجانب محلات تجارية استأجرتها لتساعد في الصرف على أبنائها حتى يعيشوا في ترف ورفاهية ويكملوا تعليمهم على أفضل المستويات. وقدمت المحكمة كشفاً به كل صغيرة وكبيرة كانت تملكها والدتهم، وطلبوا منه أن يقسم بينهم التركة بما يرضي الله وحسب الشرع والقانون، ووافق الجميع على ذلك، وعندما تم عرض المستندات تفاجأوا بأن والدتهم سجلت بناية كاملة من ثلاثة «طوابق» باسم خالها، ووضعت وصية بأن خالها هو الذي وقف بجانبها بعد وفاة والديها، وبالرغم من الموقف المفاجئ إلا أن الأولاد لم يعترضوا ووافقوا بكل رضاء، فالأملاك كثيرة وكل واحد سيأخذ حقه بالرضاء، وكانت المفاجأة الأكبر حين قدم مستنداً آخر يوصي بأن نصف الأملاك كتب باسم الابن الأصغر، وتركت معه ورقة تقول فيها: كل أبنائي أعزاء عندي، ولكن «م» تحملني ووقف علي وأنا طريحة الفراش، وأردت ان أجازيه على ما عمله معي وما ضحى به من أجلي، وكان طيلة مدة علاجي بالمستشفى معي وتخلى عن دراسته من أجلي. وكانت تلك هي الصاعقة الحقيقية للأبناء جميعهم وحتى الوالد، ووقف الابن الأكبر وقال: هذه حالة تزوير واضحة والدتنا لا يمكن أن تفعل ذلك وليس من طبعها أن تميز في علاقتنا بها، واتهم أخاه باستغلال والدته فترة مرضها حتى تنازلت عن نصف ثروتها، ووقف جميع الأبناء وصرخوا في وجه الابن الصغير الذي انهار من الحزن، وأنه لم يفلح في إقناع اخوته بأن ليس له يد في ما حدث، وأمرتهم المحكمة بان يكفوا عن الحديث والإساءات التي يتفوهون بها لشقيقهم، وإلا فسوف يعرضون أنفسهم للمحاسبة القانونية.
وقال القاضي إن الأوراق والمستندات التي أمامه موثقة وخالية من أية حالة تزوير أو تلاعب فيها، وإنه سوف يتم تقسيم التركة حسب ما هو أمامه من مستندات، وبعد أن فرغ من تقسيم الميراث كانت علامات الرفض واضحة على ملامح الإخوة.
وبعد ان مضى الوقت حول حديث في التركه تلا القاضي آيات قرآنية حتى يهدئ الوضع، وبعدها خرجت الأسرة إلى «حوش» المحكمة، ولكن لم يصمت الاخ الاكبر عن الحديث ورد له «م» وقال: أنا جاهز لأقف معك أمام أي قاضٍ لأثبت أن كل شيء كان موثقاً ليس به أي نوع من التلاعب والتزوير، وانزعج الأخ الأكبر من حديث شقيقه، وقال له أنت تريد أن تقف أمامي وتتحداني، واحتد النقاش بينهما حتى رفع الأكبر «حديدة» ملقاة على الأرض وضرب أخاه الصغير بها، فسقط أرضاً مغمى عليه، والتف حوله كل الموجودين بالمحكمة وأسرعوا بإسعافه إلى أقرب مستشفى، وكان ينزف بشدة، وصرخ بقية الإخوان في أخيهم الأكبر بأن المشكلة مهما بلغت فيجب ألا تصل إلى حد الضرب والتعدي، وتحفظت الشرطة على الجاني وتم أخذه للقسم وفُتح في مواجهته بلاغ بأورنيك «8» لتعديه على أخيه.
الانتباهة