> دراسة مهمة وخطيرة، أعدتها (شيماء أبو عميرة) الباحثة المتخصصة في الشؤون الصهيونية، نُشرت في عدد ديسمبر من كراسة (مختارات إسرائيلية) الصادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة، عن ما يسمى بالإستراتيجية الإسرائيلية لتشكيل قوات «أمن فيس بوك» ..!وهي التسمية المخففة وغير المباشرة لحرب إسرائيلية في ميدان التجسس عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ومحاولة تحسين صورة الدولة العبرية عبر هذه الوسائط واختراق المجتمعات العربية وملاحقة الشباب العربي في كل مكان عبر أجهزة مختصة في مؤسسات ووكالات العمل الاستخباري الإسرئيلي (موساد، أمان، شاباك).
> والفكرة تقوم على أن إسرائيل تسعى منذ سنوات طويلة إلى تطوير قدراتها للسباحة في الفضاء الإلكتروني، بعد أن أدركت أهمية مواقع التواصل الاجتماعي وحجم المعلومات المهول المبثوث عليها، والذي يصلح في تحليل مضمونه معرفة اتجاهات الرأي العام في البلدان العربية، وكيف تتشكَّل المفاهيم الجديدة ومنطلقات الشعوب في المنطقة والموضوعات التي تشغلها، وكيف نجحت هذه المواقع الاجتماعية في إثارة هبَّات الربيع وهو يقتلع أنظمة ويغير من مسار الدفة في عالم عربي مضطرب.
> وبما أن إسرائيل دخلت مرحلة أدوات وأسلحة الجيل الخامس في الحرب بعد أسلحة الجيلين الثالث والرابع، فإن المعلومات باتت هي الذخيرة الحية لهذه الأنواع والآليات الجديدة في ميدان المعركة، وتوجد أكثر من أربعة آلاف شركة إسرائيلية تعمل في مجال صناعة المعلومات، توظف هذه الشركات ثلاثمائة ألف مهندس وباحث في مجال تكنولوجيا البرمجيات والتطبيقات والاتصالات والإنترنت، ويعمل عدد كبير منهم كباحثين في الشركات الأمريكية الكبرى مثل (غوغل) و(ياهو) و(تويتر) و(فيس بوك)، وتعمل جميع هذه الشركات والأجهزة الاستخبارية -كما تقول الدراسة- على تتبع مواقع التواصل الاجتماعي العربية، والذهاب للشباب العربي في عقر دارهم، بإنشاء صداقات معهم عبر صفحات معدة وفتيان وفتيات إسرائيليات تم تدريبهن تدريباً عالياً وتقنياً رفيعاً، لدراسة البيئة السياسية والاجتماعية، وتوجهات الشخصية العربية كلٌ حسب خطه وظروفه، وتم إنشاء عدة هيئات استخبارية مثل (حتساب) لرصد الجدل السياسي والاجتماعي والثقافي والنقاشات التي تدور في مواقع التواصل الاجتماعي العربية والتنبؤ بما ستكون عليه الأوضاع أو توقع حدوث موجة جديدة من الثورات، وأنشئت وحدة تسمي (M1 ) والوحدة (8200) مهمتها صفحات الفيس بوك وتويتر في الوطن العربي، أو باللغة العربية لمتابعة ما يجري فيها. ومعرفة الموقف السياسي والنفسي من دولة الكيان الصهيوني، بينما خصصت وحدة (حتصاق) للتواصل مع الشباب العرب مباشرة وملاحقة التطور التكنولوجي لدى الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي، يعمل عدد كبير من المجندين الصهيونيين في هذه الوحدة، ولديهم دراية نفسية مسبقة بالهندسة الاجتماعية للمجتمعات العربية وكيفية التعامل معها، وهذه هدفها التطبيع الإلكتروني بإنشاء صداقات وعلاقات بعيدة عن الجدل السياسي والفكري دون أن يعرف الشباب العرب أن من هم في الجانب الآخر أعداءهم من اليهود ينتحلون صفة الشباب لإيقاعهم في حبائل الفخ المنصوب.
> وتجتذب الفرق التكنولوجية الاستخبارية الصهيونية الانتباه، خاصة ما يتعلق باهتمامها وعملها الدؤوب بالتجسس واختراق الحسابات الخاصة ومتابعة التطبيقات السريعة مثل الفايبر والواتس أب وغيرهما من التطبيقات الحديثة ذات الخصوصية العالية، وتقوم مراكز التحليل والدرسات وأعداد التقارير بتصنيف الكم الهائل من المعلومات للدردشات والمعلومات المبثوثة على الشبكة العنكبوتية، ومن هذه المواقع الاجتماعية خاصة ما يتعلق بواقع الدول العربية السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فليس هناك ما يمكن إهماله كم تقول الدراسة.
> في مقابل ذلك، ترصد الدراسة مسألة غاية في الأهمية، يجب أن ننتبه إليها، وهي أن الإسرائيليين من مستخدمي الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، يتعاملون بشكل مرشد ومنضبط، وصفحاتهم ليست للتسلية والدردشة كما نفعل نحن هنا في السودان والعالم العربي، ويعلمون جيداً ماذا يريدون من هذه الشبكات التواصلية وكيفية استخدامها.
> بما أننا في السودان نعاني من انفجار هائل في التعامل مع هذه الوسائط الجديدة التي غزت حياتنا، ونلهث خلفها كموضة جديدة، فليس من شك أن أسرنا وحياتنا ومواقفنا وأفكارنا وسياساتنا وإدارة شؤوننا السياسية والاقتصادية، مكشوفة للجميع وغير مُغطاة، ويصل إليها من يريد..فالحذر الحذر ..!