تهمة مرفوضة ودفاع متماسك (4)

يقول الأطباء إن المعاناة من النسيان وعدم التركيز الذهني تبدأ بعد الخمسين، وبالتالي فنصيحتي لأبناء جيلي هي تفادي سن الخمسين: أقنع نفسك أن عمرك 43 سنة، وإذا لم يقتنع الآخرون من حولك بذلك «يصطفلوا». اتهمهم بأنهم حاقدون ويحسدونك على شبابك، وإذا حاول أحدهم إحراجك بكلام من نوع: كيف يكون عمرك كذا وأربعين سنة وأنا عمري 58 سنة وكنت دفعتك في الجامعة؟ لا تتردد في إحراجه بدورك وأعلن أمام الملأ: يا كذاب.. أنا لم أدخل الجامعة قط.
وعندي أسلوب آخر لتفادي اتهامات زوجتي بأنني صرت «مُخرفًا» وكثير النسيان: مثلاً أصيح طالبًا العشاء لأنني جوعان ولم أتناول طعامًا منذ الثانية بعد الظهر، فتقول أم الجعافر: بسم الله الرحمن الرحيم.. يا راجل انت لسه ما غسلت يدك بعد الأكل وما تبقى من الطعام لا يزال على المائدة! هذا كلام كبير واتهام خطير وإذا سكت عنه صارت التهمة «لابسة فيك»! عليك أن تنكر بقوة أنك وضعت لقمة في فمك.. قل مثلاً: نعم وضعتم الطعام أمامي ولكنني لم آكل منه لأنه لم يعجبني.. أنت تعرفين أن ذوقي في الأكل رفيع ولا أقصر في تزويد البيت بمواد طعام خام من أجود الأصناف في سوق الحراج، فكيف تريدين مني أن أضع في فمي أكلة بلدية كتلك التي أمامي.
كلام كهذا سيجعلك تبدو غريب الأطوار في نظر أفراد عائلتك، ولكن ولا يهمك فجميع من هم في سنك يُعتبرون غريبي الأطوار في نظر جيل الشباب! وهب أنك نسيت أين أوقفت سيارتك وعدت إلى البيت في سيارة أجرة (وهذه حصلت معي بالفعل في موقف ضخم يضم نحو خمسمائة سيارة). قبل أن تفتح زوجتك بلاعيمها بالموال المعتاد عن قواك العقلية المختلة أفحمها وأخرسها بكلام من شاكلة: ريبورتاج السيارة انقطع، ولا بدَّ من تغيير نظام تورا بورا التبريد بالكامل ولهذا تركت السيارة لدى الميكانيكي. مثل هذا الكلام يخرس النساء، لأنهن لا يفهمن مفردات ميكانيكا السيارات وكرة القدم.
وهناك مواقف يؤدي فيها النسيان إلى تعرضك إلى الدمار الشامل.. مثل صاحبنا الستيني الذي رن الهاتف في بيته فرفع السماعة وتكلم دقائق معدودة ثم انقطع الخط، ورن الهاتف مجددًا وطلب الشخص المتصل أن يكلم زوجة صاحبنا، فغضب وشتم المتكلم: يا صعلوك يا قليل الحياء.. أنا زوجها أكلمك وتطلب مني أناديها كي تكلمك.. ثم أغلق الخط بعنف.. وبعد نحو ساعة جاءت حماته من دون أن تلقي عليه التحية فعاتبها على ذلك: السلام أمان يا عمتي.. ولكنها ردت عليه: عمى يعميك، الحين عرفت إني عمتك وقبل قليل كنت تخاطبني بصيغة المذكر وشتمتني لأنني أردت أن أتكلم مع بنتي.. أنا صوتي رجالي يا معتوه؟
هب أنك مررت بموقف مشابه. مثلاً: دخلت حماتك عليك أنت وزوجتك ولكنك وفي لحظة شرود ذهن صحت فيها: يا هلا يا عبدالصمد.. بمجرد أن تدرك أن زلزالا مدمرا سيقذف الحمم ويتسبب في أعاصير وانهيارات أرضية و«بيوت زوجية»، فلا سبيل أمامك للنجاة سوى أن تضع يدك على صدرك وتتنفس بصعوبة وتتحرك متمايلاً كالسكران إلى حيث أدويتك وتبلع قرص عسر الهضم من دون ماء ثم «تلعب الدور» لنحو نصف ساعة أخرى وتقول لزوجتك وأمها: أصل الدكتور اكتشف الأسبوع اللي فات إني عندي انسداد في صمام الكالكيوليتر، وأخفيت الموضوع عنكم! بس ما تحملوا هَمّ لأنّ «الدوا» عندي.. المرجح أن الزلزال سيتحول إلى هدهدة.

jafabbas19@gmail.com

Exit mobile version