:: لايُوجد زمان ومكان تم فيهما إستخدام هذه الوسيلة لأول مرة في تاريخ البشرية وتظلماتها..ولكن يُحكى أن أهل إيرلندا كانوا كرماء، وكان من العار أن يمرض أو يموت أحدهم جائعاً..ولذلك حين يتظلم أحدهم من الآخر كان يقصد بيت الظالم ويجلس أمام البيت جائعاً طوال اليوم، فيعرف أهلي الحي تفاصيل الحدث..وكثيراً ما كان صاحب الدار – الظالم – يرفع الظلم عن المظلوم ثم يدعوه لتناول الطعام معه حتى لايوصف بالبخل..ويقال إنهم كانوا يستخدمون هذه الوسيلة لإسترداد الديون ..!!
:: ثم تطور التعبير بوسيلة الإضراب عن الطعام وتوسعت أهدافها متجاوزة أهل إيرلندا و ديونهم إلى كل شعوب وجماعات العالم ومطالبها وحقوقها..وهي وسيلة تعبير مشروعة في إطار تنبيه الرأي العام بالقضية.. ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إن كانت تؤدي إلى (منفعة عامة) و ترفع الظلم عن مظلوم ..وأذكر أنهم أفتوا بجوازها لبعض الأسرى الفلسطينين في سجون إسرائيل حين أعلنوها إحتجاجاً من منع الزيارات العائلية..أي أن إستخدام هذه الوسيلة لتبيه الرأي العام بالقضية يختلف عن الوقوع في التهلكة بغرض الهلاك والإنتحار، فالأخير غير مشروع ..!!
:: وعليه، فالزملاء بصحيفة التيار يستحقون المؤازرة وهم يعلنون إضراباً عن الطعام إعتباراً من أول مارس القادم ولحين إطلاق سراح الصحيفة..لقد أعلنوا زمان ومكان إضرابهم ثم ناشدوا الأطباء بالتطوع لكشف ومتابعة الحالات الطارئة بمكاتب التيار، ونأمل أن تجد مناشدتهم إستجابة.. ولكن قبل هذا، نأمل أن تعود التيار إلى المكتبات قبل الفاتح من مارس، موعد الإضراب..وبالمناسبة، كان قد تم إيقاف التيار قبل أعوام بحكم غير قضائي أيضاً، فأعادتها المحكمة الدستورية ..ومع ذلك، أي رغم النص الدستوري الذي أعاد التيار لايزال سارياً، تم إيقافها للمرة الثانية ..!!
:: وعلى كل، لا أعلم الظروف الصحية لكل الزملاء ولا مواقف الجميع..ولكن نظلم أنفسنا والمهنة لو تركنا الزملاء بالتيار وحدهم لمصير الإضراب عن الجوع.. وليس من العدل أن نكتفي بتغطية جوعهم، وكذلك من عجز القادرين عن التمام أن نكتفي بنقل وسيلة تعبيرهم بالصورة والقلم ..فليكن معهم إتحاد الصحفيين وأعضاء مجلس الصحافة وكل الزملاء في كل وسائل التعبير السلمية، ومنها وسيلة الإضراب عن الطعام.. فالأفضل أن نجوع معاً، ونمرض معاً، ونموت معاً في سبيل مهنة يجب أن تُحمى حريتها بنصوص الدستور وتُحاسب على أخطائها بأحكام المحاكم ..!!
:: وغير بعيد عن قضية التيار، فالصحافة السودانية لاتزال المجرم الوحيد الذي تحاكمه أربع جهات بأربع عقوبات في قضية واحدة.. نعم، قد تجري الصحافة حواراً أو تحقيقاً، أوتنشر خبراً أو رأياً يُخص عامة الناس، فتغضب لجنة الشكاوى بالمجلس وتعاقبها بالإيقاف يوماً أو ثلاثة، ثم تغضب سُلطة الإجراءات الاستثنائية وتعاقبها بالإيقاف لأجل غير مسمى، ثم تحال القضية إلى نيابة الصحافة فتعاقبها بحظر النشر لحين اكتمال التحري، وبعد كل هذه العقوبات تحال القضية إلى المحكمة فتعاقبها أيضاً..ومع هذا الحال، ناهيكم عن الطعام، فربما يكون الإضراب عن المياه أيضاً مشروعاً..!!