> استمع مجلس الوزراء في جلسته يوم الخميس أول من أمس، برئاسة السيد رئيس الجمهورية، إلى تقرير اللجنة العليا لوثيقة إصلاح أجهزة وهياكل الدولة، وهو التقرير الدوري الذي يقدم كل ثلاثة أشهر حول موقف تنفيذ الخطة، وقدم الفريق أول بكري حسن صالح ووزير الدولة بمجلس الوزراء التقرير وكان محكماً ومحدداً في كل محاور العمل التنفيذي في قطاعاته المختلفة، وتطرق لإنجازات وأعمال كبيرة تمت خلال الفترة الماضية لتحسين وتفعيل الأداء العام لمؤسسات الجهاز التنفيذي.
> ويلاحظ من مداخلات الوزراء وتعقيب رئيس اللجنة العليا، ثم تعليق الرئيس في ختام الجلسة أن أهم خطوات الإصلاح لأجهزة الدولة وترقية وتفعيل دور الخدمة المدنية، هو التنسيق المحكم والضابط بين عمل الوزرات والهيئات، ثم تقوية وسائل وطرق المتابعة والمحاسبة وتطبيق القواعد والتشريعات واللوائح والقوانين.
> من السهل تعريف وتوصيف الحالة التي تمر بها هياكل ومؤسسات الدولة والخدمة العامة، وفي ذات الوقت ليس من الصعب التوفر على العلاج الناجع، وواضح من التقرير وموجهات الخطة وتفاصيلها، أن الحكومة اهتدت بالفعل إلى الترياق والدواء، لكنه يتطلب وقتاً وقد يكون مراً كالحنظل يسبب أعراضاً جانبية، تواجه أجهزة وهياكل الدولة في كل مكان وزمان، بانتكاسات وترهل، وربما بعجز شبه كامل عن العمل بكفاءة عالية، ونحن في السودان عانينا هذا النوع من المرض المميت لتراكم عوامل عديدة هي التي أدت إلى انهيار الخدمة المدنية منذ أكثر من أربعين عاماً وتزيد، ثم تمدد السقام إلى جوانب أخرى حتى وصل إلى العظم. وسارعت الدولة وفق خطة الإصلاح إلى وقف التداعي ولجم الانجرار نحو التكلُّس، وهي عملية جاءت في وقتها المناسب، حتى لا تكون الكلفة عالية جداً لو تأخرت..
> لكن هذه الخطة والعمل الدؤوب لإصلاح هياكل الدولة وتفعيل عملها، يتطلب قدراً كبيراً من التدبير يضاف إلى ما هو موجود الآن، فتفاعُل المواطنين مع خطوات الإصلاح أمر ضروري للغاية، خاصة ما يتعلق بالنُّظم والقوانين والتشريعات والموجهات، وما يمكن أن يتم في منافذ تقديم الخدمات. فالسلوك العام وثقافة المجتمع والوعي بمقتضيات الخطة وأهدافها في كل الوزارات لابد أن تُراعى مع وضع وتصميم تصورات عملية تنشط فيها كل أدوات التوجيه لصناعة التفاعل المطلوب وبث الروح في عملية الإصلاح، حتى لا تكون عملاً حكومياً وديوانياً محصوراً داخل تحركات الحكومة. فالحكومة تحتاج في نهجها الإصلاحي إلى تفاعل مواطنيها معها لأن ذلك سيقود إلى دفع جماعي يجعل البلاد تستوي على جودي النجاح قبل أن يلحقها الغرق.
> من الملاحظات المهمة التي وردت في الجلسة المشهودة، الحديث عن القياسات وكيفية موضعها والتعامل معها، خاصة ما يتعلق بالخدمة التي تقدم للمواطنين والبرامج التنفيذية المباشرة المتعلقة بهم، كما أن إعادة يوم الخدمة الذي كان يخصص للعاملين في الوزارات والمؤسسات لمناقشة قضاياهم وشؤونهم وكيفية التعاطي معها، كما كان يحدث في سنوات الإنقاذ الأولى، سيعطي قوة دافعة لمعالجة الاختلالات في الخدمة المدنية ويفتح درباً يفضي إلى نتائج موجبة.
نتائج الحوار
> اليوم ستطرح عدد من لجان الحوار الوطني حصاد ما توصلت إليه بعد عدة أشهر من الحوار والنقاش الحامي والساخن بين تيارات وأحزاب مختلفة تتنافر في رؤاها وتختلف في نهجها السياسي ومنطلقاتها الفكرية، لو لم يحقق الحوار الوطني إلا هذا التجمع الوطني الحزبي النادر والحوار الطويل بينهم حول القضايا الوطنية لكفى، ونرجو أن تكون هذه التجربة الفريدة إسهام سوداني لكل الأمم والشعوب في مناقشة قضاياها والتحاور حولها، فهي تجربة تضاف لتجارب تمت في دول أخرى حققت نتائج كبيرة مثل جنوب إفريقيا والمغرب ورواندا وسيراليون، يجب أن نفخر كسودانيين بهذه التجربة الفريدة التي ستؤتي أُكلها، خاصة أن الكثير من النقاط الخلافية -حسب علمنا- قد تم تجاوزها وحسمها والتوافق عليها.
> وفق الله بلادنا فبعد معاناتنا الطويلة من الحروب والشقاق والانقسامات، لو سهل المولى لها الطريق ستكون بإذنه تعالى أمة آمنة مطمئنة ومتحضرة ومتقدمة.