النافِعيَّة الجديدة.. خطاب الصابون

من زاوية ما، اتسم الخطاب الخطاب السياسي الذي ظلت تنتجه هذه الحكومة متوجهة به إلى المواطن في الداخل، أو الآخرين في المحيطين القريب أو البعيد، في الخارج، بمفارقته لنظام القيِّم السائد في المجمتع السوداني، إذ دأب الإسلامويون مُذ استداهم السلطة عن إنتاج نوع من الخطاب السياسي بالغ الهرّج والهرجلة، خطاب ارتجالي وليد اللحظة الانفعاليَّة المُحتشدة بالهُتاف والصُراخ والزعيقِ والنعيقْ، الأمر الذي كانت كُلفتهُ عاليةً جِدًا خاصة على الصعيد الخارجي، وما برنامج التعليق السياسي الذي كانت تبثه الإذاعة كل صباح إلا دليلاً ساطعًا على ذلك التخريب المديد والأذى الكبير والضرر البليغ الذي ألحقه ذلك الخطاب الهازئ الشاتِم والمستفز والمتعجل بعلاقتنا الخارجية.
على كلٍّ، ودون أن يشعرنا ذلك بأننا ارتكبنا إثمًا، كنا ظننا وبعيد إطاحة نافع علي نافع ولفيفه من المشهد الحكومي، أن انحسارًا سيصيب هذا الخطاب خاصة وأن سلفيه غندور وإبراهيم محمود اتسم أداؤهما ومن ثم خطابهما بالهدوء والاتزان مقارنة به، وربما هذا ما دفعنا أن نُسمِّي الخطاب النافعي الذي اعتقدناه بائِدًا بالحساسية التقليدية، لجهة أنها تعتمد قواعد حجرية، مصمتّة، موصوفة وسائدة، تشبه تمامًا قواعد المحاكاة الأرسطية العريقة المحتدة.
بطبيعة الحال، لم يستمر الأمر كثيرًا، ولم يتطور الخطاب السياسي النافعي، وهو ما يعرف عندنا بـ (الحساسية القديمة) إلى خطاب أكثر حداثة ومتفهم لسايكولوجية متلقيه في الداخل والخارج، بل، للأسف سرعان ما ارتد عقبيه وانزلق من (بروات) الصابون إلى كريمات التبييض، ثم صعد إلى توصيف القائم بالأعمال الأميركي بأوصاف غريبة عجيبة، كل ذلك جعلنا نستغرب سبب هذه العودة العاصفة إلى الخطاب النافعي، أو ما أسميناها بالنافعيّة الجديدة.
والحال هذه، وبالإحالة إلى الواقع بشقيه، الاجتماعي والسياسي، فإننا ندعو الحزب الحاكم وبالتالي الحكومة، إلى الكف عن العودة إلى النافعيّة مُجددًا، لجهة أنها – أي الحكومة – تشتغل على حوارين وطنيين في الداخل والخارج، كما تشتغل على استعادة ما خسرت وتحسين ما خربت من علاقات خارجية بفعل ذلك الخطاب غير الضروري كونه ليس لأنه خطاب تخريبي بامتياز، بل لأنه لا يحمل مضامين وقيمًا اجتماعية وثقافية، ولا يحقق استشرافاً لنظام قيمي جديد على المستويات كافة.

Exit mobile version