“الحماية الرئاسية” ترفض الحكومة الربط بين استدارتها نحو المملكة وضائقتها الاقتصادية.. لكن عملياً تدفقت رؤوس الأموال السعودية على خزانتها

في مارس 2014 لم يكن بوسع القادة الحكوميين إخفاء توتر العلاقة مع السعودية عندما أمرت بنوكها بقطع علائقها المصرفية مع بنوك الخرطوم وما صحبه من تقليص وارداتها من الماشية السودانية التي كانت ضمن سلع نادرة تعول عليها الحكومة لتعويض فقدانها عائدات النفط الجنوبي، لكن بعد مرور عام كانت الحكومة في مارس 2015 واحدة من أوثق الحلفاء الإقليميين للمملكة وهي ترسل جنودها ضمن عاصفة الحزم التي كانت تستهدف بالأساس الحليفة القديمة طهران.

بدأت الخرطوم استدارتها في سبتمبر 2014 عندما أغلقت المركز الثقافي الإيراني وفروعه بحجة “تهديده للأمن الفكري” لكن بلا ريب مسحت المشاركة في الحملة السعودية باليمن ما علق بالميناء السوداني من تشويش بوارج إيرانية رست عليه 4 مرات ما بين العامين 2012 و2014 .
شيئا فشيئا كانت الحكومة تكمل استدارتها لصالح المملكة مقابل تحجيم علاقتها مع الجمهورية الإسلامية لتنتهي بالخطوة الفاصلة الشهر الماضي وهي تعلن قطع علاقتها مع طهران “تضامنا مع السعودية لمواجهة المخططات الإيرانية”.
ورغم أن الحكومة كانت ولا تزال ترفض الربط بين تحول سياستها الخارجية وضائقتها الاقتصادية إلا أنها عمليا وسعت شبكة تعاونها الاقتصادي مع الرياض وأعلنت خططا من شأنها رفع استثماراتها إلى 15 مليار دولار بحلول نهاية العام الحالي عوضا عن 11 مليار دولار هي حجم الاستثمارات الحالية التي تساوي تقريبا ربع الاستثمارات الأجنبية المقدرة بنحو 42 مليار دولار طبقا لبيانات وزارة الاستثمار.

وفي نوفمبر الماضي وقع البلدان بحضور الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس البشير حزمة اتفاقيات تمول بموجبها الرياض مشاريع تزيد كلفتها عن مليار دولار وذلك في خضم تبادل نشط للزيارات بين المسؤولين الاقتصاديين.
تواصلت الزيارات الاقتصادية التي توجت أمس بافتتاح “ملتقى السودان للاستثمار” الذي نظمته وزارتا المالية والاستثمار بالشراكة مع الصندوق السعودي للتنمية والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات.

ورغم أن ملتقى الاستثمار يستهدف جذب رؤوس الأموال العربية ككل، إلا أن المملكة التي حضر وزير ماليتها إبراهيم العساف فعاليات الملتقى كانت لها وضعية مميزة يشير إليها تعهد الرئيس البشير بـ”رعاية وحماية” الاستثمارات السعودية التي رأى أن لها “خصوصية تستحقها”.
وعلى النحو ذاته قال العساف خلال مخاطبته الجلسة الافتتاحية للملتقى الذي تشارك فيه نحو 60 من الشركات والصناديق العربية إن بلاده عازمة على “زيادة تدفق رؤوس الأموال وتطوير الاستثمارات المشتركة مع السودان” وحض رجال الأعمال السعوديين على “بناء شركات استثمارية فعالة”.
وبالطبع كان قرار البشير قبل أسبوعين تشكيل مجلس لرعاية الاستثمارات السعودية عربونا يدلل على فاعلية “الحماية الرئاسية” وفي انتظار طرح هيكلته التي لم تعلن بعد لصالح المشاريع المليارية التي تروم الخرطوم تسويقها من خلال الملتقى لدى مؤسسات التمويل العربية لا سيما الصندوق السعودي الذي كان شريكا رئيسا في التنظيم والحشد.

محمد الخاتم
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version