:: ليس بالإجماع، ولكن – للأمانة – الكثافة المناهضة لبناء سدي دال وكجبار بأرض المحس هي الأكثر عدداً ثم الأعلى صوتاً..ولأن سياسات الحكومة في كل قضايا رعيتها دائما ما تغلف الخدمة بالظلم، وبذلك تقتل الثقة في نفوس الناس، وتجعلهم لا يستبشرون خيرا حتى بالمشاريع التنموية..ولذلك، رغم إختلاف المواقف بمناطق المحس، فالمؤيد لدال وكجبار يجد العذر لمن يرفضهما..!!
:: فالأهل في ذاكرتهم تجربة السد العالي..تلك التجربة التي ذاق مرارتها أهل حلفا، وذاق حلاوتها غير بني جلدتنا الذين نكثوا العهود والمواثيق، فلم تضئ قرية سودانية بكهرباء ذاك السد – كما قال العهد والميثاق – وكذلك تشرد أهل الديار الي ديار غريب مناخها وترابها وثقافتها، وصار فيه النوبي – الي يومنا هذا – غريب الفؤاد والثقافة واللسان.. وأهل دال وكجبار يتوجسون من هذا الحال والمآل..!!
:: ثم تجربة سد مروى التي آثارها لاتزال سارية في نفوس المناصير.. فالأهل بالمناصير قابعون في صخورهم بلا خدمات، فقط لانهم تقدموا للدولة ببعض المطالب المشروعة، ثم جاهروا ببعض التظلمات الواضحة لذوي الالباب والابصار والبصائر.. لم يرفضوا السد، ولم يطالبوا بتوطينهم في أحياء الخرطوم الراقية، فقط طالب المناصير بتوطينهم حول بحيرة السد، ولكن الدولة بخلت عليهم بهذا الجوار، ثم عاقبتهم بالحرمان من حقوق الحياة ..!!
:: تلك تجربتان، وأحلاهما مر، ويتوجس منها أهل دال وكجبار، ولهم حق التوجس ..هم لايرفضون تنمية وتطوير ديارهم، بل يحلمون بديار ذات نماء ورخاء يعود إليها النازحون والمهاجرون..ولايرفضون استبدال شقاء الحال الى احسن حال..وكذلك يأملون في غد تتحول فيه قراهم المبعثرة ومدنهم اليابسة الي مدن عريقة وقرى سامقة تحمى حضارة عمرها سبعة آلاف سنة من الاندثار والترحال.. وكل هذه الطموحات الخضراء حملها الاجداد في نفوسهم حتى ماتوا، ثم يحملها اليوم الآباء والابناء هنا وفي المنافي..!!
:: ومشروعا تنمويا كالسدود كان يجب أن يكون لهم بشارة خير لتحقيق بعض تلك الاحلام العريضة، ولكن – للأسف – حتى مشاريع الدولة التنموية لم تعد في بلادنا ( فاتحة خير)، لانها لا تخلوا من لوث التسلط وغبارالسلاطين وسياط أجندتهم السياسية ..فالتنمية حين تكون للإنسان تمشي لهذا الإنسان – بسيقان الخير – بسلاسة، ولكن حين تكون للسلطة والسياسة تكون النتائج قهراً وتعذيباً..وليست من الحكمة أن تفرض الحكومة مشاريعها على الناس بمنطق القوة و ليس قوة المنطق..!!
:: فلندع الذين عبروا عن رفضهم لسدي كجبار ودال بمشكيله عبر مسيرة السبت الفائت، وكانت مسيرة (واعية)، بحيث لم تشتم زيداً من الناس أو تُكسر مرفقاً، بل عبرت عن موقفها الرافض للسدين بكل شجاعة ومسؤولية ..فلندعهم، ونسأل حكومتهم أسئلة ذات الصلة بالسدين ..أين دراسة جدوى السدين؟، وكم هي السعة التخزينية لخزانيهما؟، وما هي القرى المتأثرة بالسدين؟، وما مصير أهلها؟.. للأسف، لا إجابة إلا في دهاليز السُلطة وكأن المراد إنشاء محطات نووية وليست مجرد محطات كهربائية.. وعليه، بغض النظر عن أسباب الرفض الأخرى، فأن غياب الشفافية – ونقاشها الحر بين السلطات والمتأثرين – يعلو على كل الأسباب .!!