على شاطئ البحر بنتُ وللبنت أَهلٌ.. مخاطر زواج الطفلات

تقوم الحياة الزوجية على المودة والرحمة والتوافق الاجتماعي الذي يُمكنها من الاستقرار والتنشئة السليمة للأطفال، لذلك يجب أن يكون الزوجان على دراية ووعي كامل لأداء تلك المسؤوليات، لكن مجتمعنا السوداني بحسب بعض العادات والتقاليد والظروف الاقتصادية بات يزوج البنات في سن مبكرة مما يعرض حياتهنّ والمجتمع للخطر.
وبحسب قانون الطفل (2010)م، فإن الصغير هو الذي لم يصل الثامنة عشرة بعد، وبالتالي هو غير مسؤول عن تصرفاته، فهل يمكن لطفلة أن تتحمل مسؤولية زواج بكل تفاصيله ومستعدة له نفسياً وصحياً، وهل هي قادرة على تربية أطفال مثلها؟

تهيئة نفسية
أكدت الاختصاصية النفسية سلمى جمال أنه من الصعب ولوج البنت في علاقة زوجية وهي دون الـ (18) سنة، لأنها ليست مهيئة لذلك الأمر نفسيا، وقالت: “بالرغم من وجود زيجات سابقة على هذا النحو، إلا أن نجاحها ومحافظة أولئك الفتيات على بيوتهنّ لا يعني أنه صحيح ويجب السير في طريقهنّ”. وتابعت: “لأنه لا يحبذ نفسياً دخول بنت لم تصل الثامنة عشرة بعد في علاقة زوجية لعدم تهيئتها نفسياً وفيسيولجياً، فضلاً عن ضعف خبراتها ووعيها غير الكافي لتتحمل مسؤولية أبناء وزوج، وغير قادرة على تربية أطفال، وهي في الأساس طفلة”. وأردفت: “أمهاتنا وحبوباتنا من قبلهنّ وجدنّ دعماً أسرياً لأن مجتمعنا في ذلك الوقت كان يعتمد على الأسر الممتدة في التربية، أما الآن يعتمد على الأسرة الصغيرة”. ولا تؤيد الاختصاصية النفسية زواج البنت في سن صغير، لأن سلوك الناشئة يرجع في الأساس لبيئة البيت. وقالت: “كل ما كانت البيئة معاصرة ومتقدمة تخرج أجيالاً ذكية وطموحة، وكل ما كانت ضعيفة وأمية تنتج أجيالاً مضطربة سلوكياً وأخلاقياً”.
ولفتت إلى ضرورة الاهتمام بالتوعية وتقديم النصح لبناتنا قبل الزواج، وتهيئتهنّ لذلك الأمر، وفق منهج أو برامج علمي تربوي. وقالت: “لا تخلو الحياة من المنقصات والمشاكل الزوجية التي تحتاج لاستشارة أحد أفراد الأسرة أو متخصصين، ولاسيما في سن النضوج”، منبهة إلى أهمية وجود مكاتب تهيئة البنت أو الولد المقبليْن على الزواج التي تساهم في تقليل نسبة المشاكل التي يمكن أن تحدث مستقبلاً.

تشوهات وناسور
عن الآثار الصحية والنفسية لزواج الطفلات، ترى مدير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل د. عطيات مصطفى أن زواج الطفلة قبل اكتمال نمو جهازها التناسلي يؤدي إلى صعوبة المعاشرة الزوجية، وخاصة إذا كانت البنت مختونة ربما يؤدي ذلك إلى تمزق في بعض الأعضاء التناسلية الداخلية مثل المهبل وعنق الرحم وتهتك في الحوض الذي يعمل على حماية الجنين، ومن ثم الوضوع بسلامة. وقالت: “ما يزيد من هذه المشاكل أن الطفلة لا يتم توعيتها بمخاطر قبل الزواج وكيفية التعامل معه، لأن المجتمع السوداني يعد الحديث عن الصحة الجنسية والإنجابية خروج عن الدين والعرف، رغم أن الإسلام والشريعة والقوانين هي الأكثر حديثاً عن هذه المعلومات التي تحمي حياة الطفلة”.

وأشارت إلى أن المشاكل الصحية تبدأ في الزيادة عند حدوث الحمل، خاصة قبل اكتمال النمو البيولوجي للجهاز التناسلي الداخلي، لذلك غالبا ما تكون الولادة بعملية قيصرية إذا اكتمل الحمل، لافتة إلى زيادة نسبة الإجهاض بينهنّ لعدم اكتمال نمو الرحم وتوازن الهرمونات، وغالبا يؤدي لتشوهات الجنين وحدوث ناسور بولي للأم. وقالت لأن الطفل دائماً يعتمد في غذائه على الأم، فلابد من أن يُوفر لها غذاء متكامل، فغالباً ما يولد الطفل ناقص الوزن وهزيلاً ولديه ضيق في التنفس، وأن الحالات المرضية في هذه الفئة العمرية تمثل (23%)، فضلاً عن زيادة نسبة الوفيات بمعدل (50%) عند الأمهات الطفلات، أيضا أثبتت الدراسات أن نسبة فقر الدم تزداد عند الحوامل قبل فترة اكتمال النمو البيولوجي للطفلة، وأيضاً عدم تمكن البنت من الرضاعة الطبيعية لعدم اكتمال نمو الثدي.

ظلم وانتهاك
عدَّ مدير معهد حقوق الطفل ياسر سليم زواج الطفلات أحد الانتهاكات الكبيرة التي تحدث للبنات وأسوأ ظلم يمكن أن يحدث للإنسان، لأنه يحرمها من حق التعليم والنضج، ويسلب حتى حقها في الرأي والمشاركة. وقال: “إن أبدت قبولاً أم لا، فهذا لا يعني توفر النضج الكافي للاختيار الصحيح، لأن الشخص الذي لم يستطع ممارسة حياته وفق مراحلها الطبيعية لا يستطيع أن يخرج لنا طفلاً ناضجاً، (فاقد الشيء لا يعطيه)، فالأمومة تقوم على فكر ناضج وتقوم التربية على أساس الوعي، وفي ظل دولة فيها إشكالات كثيرة الفقر أحدها الأم هي التي تقوم بكل شيء، يصبح من الصعب على تلك الطفلة تحمل تلك المسؤوليات وممارسة حياتها بشكل طبيعي”. ولفت ياسر إلى أن أكبر الإنجازات التي حدثت في السودان هو تحديد سن الطفل بأقل من (18) سنة، لذلك بحسب المشرع لا يجوز إعدامه إذا ارتكب جريمة قتل، لأنه غير مسؤول من تصرفاته، فكيف تكون الطفلة مسؤولة عن اسرة.
ونصح ياسر برفع درجة الوعي في المجتمع من خلال الفقهاء والقانونيين بمخاطر هذا الزواج بطريقة واضحة وشجاعة. وقال: “من خلال تجاربنا وجود أي نص تشرعي في ظل غياب الوعي لن يتم تطبيقه، بالإضافة إلى استخدام الدراما التي يمكنها معالجة الكثير من المشاكل المجتمعية”، مشيراً إلى ضرورة الابتعاد عن النظرة التجريمة والتشكيك في سلوك أولئك الذين تم تزويجهم في سن صغيرة. وأكد ياسر أن التلفاز لديه دور كبير في تشكيل وعي المجتمع سيما الفتيات، فقد كان يشجع على التعليم من خلال عرض برامج مسابقات المدارس، أما الآن فيشجعهن على أن يصبحوا غنيات، ولابد أيضاً من تغيير نظرة الأمهات وهلعهنّ لتزويج بناتهنّ وإذا لم تفلح في التعليم، فيكون الزواج هو البديل دون التفكير في بديل آخر أفضل لها.

رسائل إيجابية
من جانبها، أكدت مسؤول أمانة الحماية الاجتماعية بالمجلس القومي لرعاية الطفولة د. أميرة أزهري أنهم يضعوا تشريعات تدعم التخلي عن زواج الطفلات عبر الاستراتيجية القومية للتخلي عن زواج الطفلات في السودان وتصميم رسائل إيجابية من المجتمع نفسه، ولاسيما بعد أن أظهر المسح العنقودي المتعدد المؤشرات في (2014) أن نسبة الذين تزوجوا أو تعايشوا كأزواج للمرة الأولى قبل سن (15) عاماً لفئة السكان (15-19) عاماً (11.9%)، وأن الذين تزوجوا أو تعايشوا كأزواج للمرة الأولى قبل سن (18) عاماً لفئة السكان (20-49) عاماً (38%)، واحتلت ولاية شرق دارفور أعلى نسبة ممارسة فقد بلغت (57,4%)، وأقلها الولاية الشمالية حيث بلغت (19%)، وبحسب المؤشرات بين كل (5) بنات تتزوج (2) قبل الثامنة عشرة، وهذه نسب بحسب د. أميرة ليست بسيطة، ولا يمكن تجاوزها. وقالت: “رفع وعي المجتمع مهمتنا، ومن خلال هذا المسح نستطيع معرفة موقفنا وما يمكن فعله، ومع معهد الدراسات الإنمائية جامعة الخرطوم بدأنا دراسة تحليل متعمق يتم عبر مجموعات نقاش واجتماعات مع معظم فئات المجتمع لسد النقص والثغرات بواسطة المجتمع نفسه، وتعد مواصلة لدراسة الاتجاهات والسلوك التي أجريناها في (2012 – 2013)”.

زهرة عكاشة
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version