مازالت الدعوات تتجدد في السودان إلى إسقاط النظام الحاكم من قبل المعارضة السودانية، الا ان مطالبة حزب الامة بزعامة الامام المهدي للبشير بالرحيل هي الاقوى من نوعها، وعزا بعض المحللين ذلك إلى أن الصادق المهدي كان آخر رئيس حكومة في السودان قبل انقلاب البشير عليه سنة 1989م، لذلك اصبح من الد خصوم المعارضة. وتأتي هذه المطالبة لجهة أن النظام الحالي فشل في إدارة البلاد على مختلف الأصعدة، وظل المهدي يطالب بإسقاط النظام بانتفاضة مدنية، قائلاً إن محاولة إسقاطه بالقوة سوف تأتي بنتائج عكسية، سيما بعد ان شهد السودان تطوراً تصعيدياً من المعارضة مع عودة المشهد السياسي في البلاد إلى مربع الدعوة لإسقاط النظام عبر انتفاضة شعبية، واعلان قوى نداء السودان ممثّلة في الحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات المسلحة الدارفورية وحزب الأمة وقوى تحالف المعارضة في الداخل، بأن الحكومة في الخرطوم دفعتها نحو خيار إسقاط النظام بعد أن كانت تلك القوى جادة في ما يتصل بالاتفاق على حلول سلمية لحل الأزمة السودانية بالحوار الوطني، وإنهاء الحروب الأهلية التي ضربت أجزاءً واسعة من غرب وجنوب البلاد.
مطالب مشروعة
يبدو ان حزب الأمة القومي المعارض في السودان غير موقفه وأصدر تصريحات تفيد بأن الاحتجاجات التي ظلت تندلع بسبب الغلاء وسدود المياه والحرب فضلاً عن تزايد الهجرة واعتصام النازحين بالمخيمات في دارفور، كلها تمثل أسلوباً جديداً للانتفاضة الشعبية السلمية. وأكدت الأمين العام للحزب المتحدثة باسمه سارة نقد الله، أن جميع تلك المحطات هي وجوه تعبير عن اصطفاف السودانيين ضد نظام الاستبداد والفساد والقمع الدموي، منوهة برفض حزبها وسائل الحكومة في مواجهة القضايا والمطالب العادلة، وتعهدت في بيان الجمعة الماضية بأن يسير الحزب قدماً في التعبئة الشعبية عبر حملة «هنا الشعب» بالوسائل المختلفة لتحقيق مطالب السودانيين المشروعة، وتابعت قائلة: «حملة «هنا الشعب» حمله شعبية قومية مستمرة تعبر عن كل تلك المطالب الشعبية، وعن إفراغ النظام للحوار الوطني الذي تطلع إليه الشعب كوسيلة سلمية لإقامة نظام جديد، وجعله النظام الحالي وسيلة مخادعة لاستمرار حكمه بطلاء جديد»، وقالت سارة إن ما يمارسه السودانيون هو أسلوب جديد للانتفاضة الشعبية السلمية يضاف لإبداعات الشعب السوداني في سجل «21» أكتوبر 1964، و «6» أبريل 1985م.
احتجاجات تلقائية
في إشارة إلى ثورة أكتوبر وانتفاضة أبريل اللتين أطاحتا حكمين عسكريين، أشار البيان إلى اندلاع مظاهرات حاشدة بغرب وجنوب دارفور تستنكر سياسات الحكومة خاصة قصف المدنيين بالطائرات ومحاولة تفريق معسكرات النازحين بالقوة، وقال: «إن هذه مظاهرات تلقائية ولكنها جامعة لكل الطيف السياسي هناك، ونؤيد المطالب التي نادت بها هذه التظاهرات، وندين التصدي لها بالقوة، ونرفض بشدة استخدام القوة المفرطة في التصدي لمن يمارسون حقاً دستوريا في التعبير عن رفضهم لممارسات النظام الغاشمة»، واعتبر بيان الحزب المظاهرات وجهاً من وجوه التعبير الشعبي عن رفض نظام الخرطوم وإدانة سياساته، والتطلع لنظام جديد يكفل الحرية والعدالة، وأشارت الأمينة العامة لحزب الأمة إلى أن هجرة ما بين ربع إلى ثلث سكان البلاد خلال حكم الإنقاذ منذ عام 1989م هروباً من سياسات النظام الأمنية الباطشة والاقتصادية الظالمة، تعد وجهاً من وجوه التعبير عن رفض نظام الحكم، وأفادت بأنه منذ عام 2004م تجمع في معسكرات النازحين أكثر من مليوني شخص هرباً من بطش النظام، وصاروا يشكلون اعتصاماً معارضاً عازلاً للنظام، مما جعله يحاول تفريقهم بالقوة.
مرحلة التفاوض
ومن جهته يرى المحلل السياسي عبد الباقي كرار، أن خطوة بيان الأمة القومي الأخيرة ناتجة عن إدراكه للحرج السياسي الذي واجهه بسبب فشله في الضغط على النظام لتأجيل الانتخابات ونجاح الأخير في استراتيجيته الخاصة بتوظيف الانتخابات ووضعها ضمن أوراقه التفاوضية التي استخدمها في مرحلة التفاوض، باعتبار أنه يعي تماماً أن مسألة الحوار لا هروب له منها، ويعتبر أن موقف الأمة القومي يُقرأ من باب حفظ ماء الوجه أكثر من كونه ذا فعالية على الأرض، لافتاً «كرار» من خلال حديثه لـ «الإنتباهة» إلى أن التجارب العملية أثبتت أن المعارضة بما فيها الأمة القومي تتعرض لمشكلات بنيوية حقيقية، فضلاً عن أنها تفتقر للتنظيم، كما أن الحزب الحاكم وعلى الرغم من أنه أصبح غير مرغوب فيه وسط عدد من الشرائح السودانية، لكن موقفه الأخير من عاصفة الحزم والحوار الوطني دفع بمؤشرات حول إصلاح علاقات البلاد بمحيطه العربي والإقليمي والدولي، وإصلاح كافة المشكلات الداخلية والأزمات التي تمر بها البلاد، ويؤكد كرار أنه لا توجد مقومات في الوقت الراهن لزيادة الغضب الشعبي لإسقاط النظام السوداني حتى بعد الضغط الاقتصادي الفظيع وما صاحبه من سخط جماهيري، وكل ما يمكن أن تفعله تلك القوى هو التهديد بالاحتجاجات وتغيير النظام القديم الى استراتيجية جديدة متضمنة استفتاء دارفور واندلاع الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن في النهاية الحكومة صدقت في تنفيذ وإجراء الحوار وننتظر مخرجاته، بالرغم من زعم المعارضة بأنه أجري بضغط دولي وإقليمي.
الانتباهة