الجنوبيون يبثون حنينهم للشمال عبر وسائل التواصل

أجبرت الحرب في جنوب السودان بعض قيادات الحركة الشعبية على مراجعة حساباتها. ووجه بعضهم رسائل اعتذار للسودان من خلال بعض المقالات في صفحاتهم الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعية.
وعبر مقال حمل عنوان (كنت شاهداً على دمار)، الأسبوع الماضي، يقول ألير مجاك، أحد القادة الذين دونوا ملاحظاتهم عن سياسة الحركة الشعبية في جنوب السودان، إن ما دفعه لكتابة المقال هو الإسراف الذي كانت تدار به الحركة الشعبية إبان تولي باقان أموم وياسر عرمان لأمانتها، معتبراً أنهما أعليا من أجندة الحزب الشيوعي السوداني على المطالب الأساسية لمواطن دولة جنوب السودان. وأوضح مجاك، أن هذا الأمر كلف دولة الجنوب كثيراً إذ عملت على تأسيس معسكرات لتدريب العناصر الشيوعية الشمالية وتسليحها بدلاً عن فتح مراكز التدريب المهني لتعليم معاقي الحرب.

وحلمت قيادات الحركة الشعبية بحكم جنوب السودان منفرداً واعتقد قادتها أن البترول سوف يحقق لهم أمنياتهم بعيداً عن الشمال، وكانت تلك النظرة قاصرة، سيما وقد جعلتها تبذل في سبيل تحقيق الانفصال الكثير، لكن بعد أن تحقق هدفهم وانفصل جنوب السودان بموجب الاستفتاء وبقرار الأغلبية سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس حيث دخلت الدولة الوليدة في دوامة حرب أهلية حصدت أرواح الأبرياء وشردتهم من منازلهم بجانب تدمير البنية التحتية.
وعلى الرغم من إسداء معظم رؤساء دول الجوار النصح لقادة الحركة الشعبية حول التركيز علي الأوضاع الداخلية للدولة وضرورة فك الارتباط مع متمردي السودان فور انفصال جنوب السودان وعدم مناصبة السودان العداء إلا أن واقع الأمر لم يكن كذلك، إذ احتضنت جوبا قيادات التمرد وأجبرت جميع الفصائل المتمردة على التوحد في تحالف الجبهة الثورية وقامت بدعمهم بشتى الطرق، ويقول ألير مجاك في هذا الإطار: (لقد كنت شاهداً على النصيحة التي قدمها أفورقي لقيادة الحركة بأن تلقي عداءها للشمال بعيداً، والانتباه إلى ما ينفع إنسان الجنوب وكسب سبل عيشه وقال إن الشمال يعرف كيف يدافع عن نفسه وإن الوضع في الجنوب مازال هشاً وقال أيضاً إن بلاده لم تعرف التنمية إلا بعد أن تركنا أجندة الحرب وافتعال المشاكل مع حكومة الخرطوم).
واقع دولة الجنوب يوضح أن قيادات الحركة لم تستمع إلى النصائح، ويرجح ألير أن السبب في ذلك هو اعتلاء منبر الحركة من قبل حلفاء الشيوعيين الشماليين وأبناء أبيي معتبراً أنهم حولوا الحركة الشعبية إلى حركة إقطاعية يديرها الشيوعيون الشماليون من الخرطوم معبراً لمرور سلاح الموساد لحركات دارفور وجبال النوبة والإنقسنا بتنسيق مع عرمان ومخابرات الحركة الشعبية، وأضاف: (كشفت مخابرات الشمال مدى اختراقها لهذا العمل عندما أبادت كل قوات جبريل إبراهيم في معركة قوز دنقو بالإضافة لكشفها لضباط الموساد الذين تولوا تدريب هذه القوات).

على الرغم من أن مساحة دولة الجنوب تبلغ حوالي (700) ألف كيلو متر، وتمتد حدودها إلى (2000) كيلو متر مع عدة دول هي إثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو وأفريقيا الوسطى والسودان، إلا أن قلة الموارد وتفشي الفساد واندلاع الحرب الأهلية كلها عوامل أدت إلى إجهاض حلم الدولة وظل بعض قادتها ينعي مشروع حكم الدولة وينظرون إلى واقع الأمر في الجنوب وإلى المكاسب الشخصية التي حققها عرمان وباقان، مؤكدين أن الأمر الآن بيد الحركة الشعبية وأن الكرة الآن في ملعبها.
ويمضي ألير مجاك في رسالته قائلاً: (تحول حلم دولة الجنوب إلى مجرد حكم قبيلة وتم تدمير كل ما وجدناه من بنية تحتية وأصبح التمرد يحاصر قبيلتنا (الدينكا) من كل جانب فقد تمرد الشلك المسالمون والنوير الشرسون والإستوائيون الطيبون والأشولي والفراتيت الجميلون وأصبح شباب الدينكا يقاتلون في كل مكان، بينما المجاعة سحقت الآلاف في كل الجنوب أما عرمان وباقان فهما يستمتعان بالأموال التي نهباها من قوت أطفال الجنوب والمعلومات المؤكدة أن باقان اشترى فيلا فخمة في إسبانيا بسبعة ملايين دولار كانت تكفي لإنشاء محطة لتنقية المياه لسكان ملكال التي أزيلت من على وجه الأرض).
محمد عبد الله أستاذ علم الاجتماع أوضح أن الرسائل والمقالات التي يتم تدوينها من قبل القادة والمواطنين في جنوب السودان تعتبر أمراً طبيعياً ينبع عن تعبيرهم عن الواقع الاجتماعي والدوافع الحقيقية والذاتية لهم، خاصة وأن التواصل الاجتماعي بين مواطني السودان وجنوب السودان لازال مستمراً، والانفصال الذي تم بين الدولتين تم بإرادة سياسية وليست اجتماعية.

رانيا الأمين
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version