كتبت أمس عن جيه كي رولينغ التي كسبت 40 مليون جنيه إسترليني من مبيعات الجزء الأول من روايتها «هاري بوتر» التي تتناول عالما سحريا لمجموعة من الأطفال يدرسون السحر في مدرسة ما، ثم تذكرت كتابي الأول «زوايا منفرجة»، والذي أبلغني مدير الشركة التي تولت تسويقه أنه لقي رواجا شديدا وتوجهت إلى مكتبه لتسلم الجزء الأول من عائدات بيع الكتاب.
وبما أنني أجمع بين الشباب ووفرة المال فقد كان الاحتياط واجبًا، وهكذا جلست أمام مدير التوزيع الذي أخرج دفاتره وسألني إن كنت أريد شرب الشاي «سليماني» أم بالحليب أم القهوة؟ فضحكت باستخفاف: شاي ماذا يا متخلف.. في مثل هذه المناسبات يشربون الشمبانيا، فرد الرجل علي بانزعاج: هل تشرب الخمر يا أبا الجعافر؟ قلت له حاشا، بل أريد شرب الشمبانيا.
باختصار كنت أحسب الشمبانيا نوعًا من الشاي الأخضر، الذي سمعت أن الأغنياء فقط يشربونه لأنه خالٍ من الكوليسترول، ولكنني لم أشأ أن أبدو متخلفًا، فزعمت أن هناك شمبانيا خالية من الكحول فصدقني ذلك المتخلف، ثم بدأ يجري عمليات حسابية ويطلعني على تفاصيلها وأنا في شغل شاغل عنه لسببين؛ أولهما أنه لا يليق بمؤلف على وشك القفز بالزانة على السلم الطبقي أن يناقش تفاصيل مالية تافهة مع موظف أجير، وثانيهما أنني لا أستطيع أن أجمع أكثر من عددين كل منهما من خانة الآحاد، ولكنني تدخلت عندما لجأ إلى الآلة الحاسبة، لأنني أسيء الظن بالآلات الصماء ولم أتعامل مع أجهزة الصراف الآلي التي تحشر في جوفها بطاقة فتعطيك المبلغ المالي الذي تحدده، إلا بعد أن قرأت عن ذلك المواطن السعودي الذي لا أستطيع ذكر اسمه لأنه يسبب لي ضيقًا شديدًا والذي أبلغه أحد تلك الأجهزة أن لديه الملايين فأخطأ في حق نفسه وذهب إلى البنك ليبلغهم بحدوث خطأ، وظللت نحو عام كامل أتعامل يوميًا مع أجهزة الصراف الآلي على أمل أن تخطئ معي لأغطس بعدها فلا يعرف أحد لي مكانًا ولو استعان بأجهزة الأمن الفلسطينية العشرة.
ما علينا، فقد قلت لصاحبي: لا داعي للاستهبال وحشر حاسبة بيننا وأنت تعرف أنه إذا أخطأت الحاسبة لا أستطيع إلقاء اللوم عليها أو مقاضاتها، فاحسب أموالي بالورقة والقلم وتأكّد أن عمولتك عندي، فانشرحت أسارير الرجل وأكمل العملية الحسابية في زمن قياسي، فالإنسان العربي ضعيف أمام العمولة والعائدات المتأتية من النشاط الطفيلي، ثم بدأ بكتابة الشيك فقلت له إنني أريد المبلغ كاشًا أي نقدًا، حتى يراه العيال ويتنسموا عطره ويلعبوا به بعض الوقت قبل أن تتدهور العلاقات بيننا عند زواجي بأخرى/أخريات غير أمهم، فلم يمانع الرجل وفتح الخزانة ومدَّ يده ببضع وريقات نقدية، فقلت له: ما هذا؟ قال: هذا نصيبك.. قلت: ثكلتك أمك وزوج أمك.. تعطيني رقمًا من خانة واحدة؟
وفي ذلك اليوم الأغبر اكتسبت بشرتي ذلك اللون الأغبر الذي حرمني من اكتساب مركز وظيفي أو اجتماعي لائق.. ونجحت بعد جهد جهيد في استرداد كُلفة طباعة الكتاب التعيس، وذلك بعد أن ذهبت إلى سوق الحراج، وقدمت عروضًا مغرية: اشتر كتابين تحصل على الثالث مجانًا، واشتر عشرة تحصل على ثمانية مجانًا، وشكوت حال كتابي للأستاذ الطيب صالح رحمه الله، فقال إنه ما من كاتب عربي نجح في بيع أكثر من ألفي نسخة من الطبعة الأولى لأي كتاب، فقلت في سري: أنا لست عربيًا وبالتالي كان من المفترض أن أبيع أكثر من ذلك.. وهكذا سيداتي سادتي توقعوا صدور كتاب «زوايا حادة Acute Angles» بالإنجليزية للكاتب الإفريقي ج. أ. (جيفري أباس).
jafabbas19@gmail.com