سافرتُ خلال الفترة الماضية عشرات المرات جيئة وذهاباً عبر عروس الرمال مدينة الأبيض العريقة، ما لفت انتباهي الحُلية الزاهية والقشيبة التي بدأ عليها المظهر العام لمدينة الأبيض التي كنت أعرفها من قبل.. عشتُ فيها وعملتُ فيها فترة قصيرة من الزمن معلماً في معهد زاكي الدين الأكاديمي بالقلعة شمال، وعدتُ إليها عشرات المرات في زيارات مختلفة.. الأبيض اليوم تشهد حركة موّارة في التشييد والبناء وتبدل المظهر الحضاري.. واستقرار نسبي كبير في مستوى تحصيل المياه عمّا كان عليه من قبل، لاحظتُ ذلك عند زيارتي الأخيرة لأخي الكريم المجاهد شكري محمد أبو بكر في حي حسيب الجميل، سألته عن قصة معاناة المياه، فأجابني الحمد لله المشكلة في طريقها للحل الشامل.. وكنتُ أعلم من قبل أن مشكلة المياه واحدة من أهم التحديات التي كانت تواجه أهل مدينة الأبيض.
والطرق داخل المدينة لبست جمالاً ونضارة، وقد أُزيلت عنها الرمال والمهملات، وقامت طرق كثيرة تحت التشييد وإعادة التأهيل، والتوسعة الهندسية الجميلة التي أعطت المنتزهات والحدائق العامة والساحات قيمة حضارية وثقافية، وبدأت المدينة تتنفس الصعداء والهواء الطلق العليل، وأضحت لوحات وعلامات وأعلام ولافتات مفاتيح المدينة أكثر دقة وتنظيماً وتخطيطاً بألوان زاهية جاذبة هادئة.
وزرتُ مسجد الأبيض العتيق ـ وكنتُ قد زرته من قبل في منتصف العام الماضي ـ فإذا هو الآن تحفة معمارية لا تخطر ببالك حتى تراها رأي العين.. انتابني شعور بالفخر والإعزاز والحمد والثناء لله أولاً، ثم للأخ مولّانا ـ بتشديد اللام ـ الوالي أحمد محمد هرون الذي أحال هذه المنارة الأعظم في الإسلام ـ بعد عون الله تعالى ـ إلى مضرب في المثل والاستشهاد وأنموذجاً يحتذى ويقتدى به، دعاني داعياً قوياً أن أدعو للرجل بالتوفيق والقبول ـ وما لفت انتباهي أن مداخل ومخارج المسجد من خارج السور صُممت بشكل هندسي لا يسمح بتشويه مظهره الحضاري الخارجي بواسطة وجود الباعة والسائلين وكبار السن مجهولي الهوية، وبعض الأطفال والمجانين الذين يجلسون على بوابات ومخارج كثير من المساجد تاركين أغراضهم وأمتعتهم ومهملاتهم في مظهر غير سارٍ.. وتجربة مسجد الأبيض الحضارية الرائعة التي تمت بفضل جهود الأخ الوالي أحمد هرون وجعلته مثار إعجاب لكل ناظرٍ ومارٍ، ليست التجربة الأولى ولا وليدة مصادفة عابرة، فمن ييمّم وجهه شطر مدينة كادقلي حاضرة ولاية جنوب كردفان ويزور مسجدها الكبير العتيق تملأ أغوار نفسه الفرحة والإعزاز، لحسن جمال معمار وإبداع المسجد الذي تصدع منه كلمة التوحيد «الله أكبر» تملأ فجاج الأرض سهلها وجبالها وتجدني غير مبالغ أو مجافٍ للحقيقة إن قلت لك أخي القارئ الكريم إن مسجدي كادقلي والأبيض الآن يصعب أن تضاهيهما حتى أجمل مساجد العاصمة القومية، وألحقت بمسجد كادقلي مكتبة علمية ورقية وإلكترونية بها أكثر من خمسين ألف كتاب ومرجع ومصدر في مختلف المعارف والعلوم والمناهل، وسبق لي أن كتبت مقالاً عن هذه المكتبة العجيبة الغريبة.. أكتب هذا المقال الذي سيطلع عليه كثيرٌ من القُراء وفي ذهنهم كثيراً مما قرأوه في كتاباتي السابقة واختلافاتي التي اشتدت مع الأخ أحمد هرون أيام توليه ملف ولاية جنوب كردفان، والتي وصلت حتى مراحل القضاء، لكن الذي أريد أن أوكده ـ وقد قلته من قبل ـ أن داعي خلافاتي مع الأخ أحمد هرون وقتها ليست من قبيل الداعي الشخصي، وإنما كان خلافي معه حول المنهج والطريقة التي كان يعالج بها ملف الشراكة السياسية مع الحركة الشعبية بعد توليه إدارة الولاية عقب الانتخابات التكميلية «انتخاب الوالي».. طريقة الحوار والمشاركة والتفاوض والمدارة، والتي كنتُ أعتقدُ أنها سوف تمكن الحركة الشعبية أكثر في مفاصل الولاية، لأنها كانت تنتهج نهجاً خداعياً تآمرياً، وكانت تخطط لانقلاب سياسي واجتماعي من الداخل متسرولة ومستترة بثوب سلطة المشاركة السياسية فأعدت ميدان الانقلاب العسكري السري، وهي في السلطة وقد وقع الفأس الذي حذرنا منه في الرأس من خلال كتمة 6/6/2011م التي أهدرت كل شيء وذهبت بكل الجهود في عرض البحر، وانكشفت عورة الحركة الشعبية وسلوكها الثابت العدائي الخياني التآمري الذي كاد يروح ضحية له الأخ الوالي أحمد هرون نفسه ـ لولا حفظ الله وعونه، وما قصة تحرير العتمور وما جرى فيها من التفاف وخداع وهجوم مباغت إلاّ أقرب مثال في ذلك، وحدث أن جرى بيني وبين الأخ أحمد هرون أكثر من لقاء مباشر، وكانت وجهة نظره أن قيادات الحركة الشعبية قادمين من الغابة بقانون الغابة، ولذلك لا بد من ترويضهم ولكننا كنا نحذره من مغبة تآمرهم وخيانتهم وصدق حدسنا وتوقعنا، ولذلك جاءت كتاباتي على هذا النحو.
الأخ الوالي أحمد هرون رغم اختلافنا معه حول معالجة ملف الحركة الشعبية في جنوب كردفان، إلاّ إننا نشهد له بقوة الشخصية في المغامرة والمثابرة والمصابرة ومجالدة العواصف، وقوة العزيمة في مواجهة التحديات ـ الشجاعة «رجالة وحمرة عين»، وحنكة عالية في إدارة الأزمات، كان أكثر حضوراً إلى جنب المواطنين في كل محنهم ومصابهم أيام استهداف الحركة المباشر لحياة المواطنين في كادقلي.. كان مقداماً عند النوازل.
ما يميز الأخ الوالي أحمد هرون من جهة أخرى أنه رجل جمّ التواضع، قوي الإرادة في العمل الميداني نشط وفعّال لا يهدأ إلاّ قليلاً وله قدرة كبيرة على استدعاء الأفكار والمبادرات.
إن مشروع نهضة شمال كردفان أصبح اليوم مشروعاً قومياً محفزاً لكل الولايات أن تحذو هذا النحو، ومثّل محرّكاً قوياً لكثير من البرامج والمشروعات التنموية الولائية، ومثّل نقطة تحول فعّالة في شحذ الهمم والطاقات، ومما يحسب إيجاباً للأخ الوالي أحمد هرون أنه استطاع أن يمتلك شفرة تحريك المجتمع، ووصل إلى مرحلة متقدمة في وسائل وأدوات الإقناع الجماهيري حتى غدت هذه الجماهير تتفاعل معه في تنزيل برامج النهضة، واستطاع الوالي هرون أن يشرك كل شرائح المجتمع وما قصة حملة عمال «الورنيش» الطوعية لدعم النهضة إلاّ مثالاً يجسد هذا التفاعل الكبير، وكذلك الطلاب والتلاميذ وستات الشاي.
إننا نأمل أن يوفق الأخ الوالي في إكمال مشروع طريق أم درمان بارا، وهناك طريق حيوي ومهم رابط بين شمال كردفان وجنوب كردفان وملتقى مواقع تجارية واقتصادية مهمة، كسوق قردود ناما وهو طريق السميح قردود ناما نأمل أن يقود الوالي هرون مبادرة لانشاء هذا الطريق بالتضامن والتعاون مع الأخ الوالي دكتور عيسى آدم ابكر والي ولاية جنوب كردفان، ويبقى الأخ الوالي هرون رجل مبادرات وقّادة وقيادي جرئ في رأيه وعزمه ونحن نحيه بهذه النجاحات المثمرة المستحقة للتقدير والاحترام.
الانتباهة