{ بصراحة ما هو تفسيرك لدخول “عبد الرحمن الصادق” القصر الجمهوري وقبول والده بهذا؟
– هذه كانت جزءاً من صفقة لم تكتمل، سيد صادق (نطّ) منها، ولكن (العربون بقى قاعد) فـ”عبدالرحمن” كان هو (العربون) بقي العربون ولكن الصفقة لم تكتمل.
{ الصفقة هي مشاركة الحزب في الحكومة؟
– نعم طبعاً، فقد كانت هناك مفاوضات سرية، وكان لـ”الصادق” لجنة سرية يقودها (نسيبه) إمام الحلو وفيها نسيبه الآخر “عبد الرحمن الغالي”، وكانت هذه اللجنة تفاوض الحكومة على أساس المشاركة، وفجأة حدثت تطورات جعلت “الصادق” ينسحب، والمشكلة في رأيي أن “عبد الرحمن” (بقى حاجة معلقة في النص)، و”سيد صادق” يفتكر أن وجود “عبد الرحمن” في القصر أصبح يشكل له (أداة لامتصاص الصدمات)، و”الصادق” قال هذا الكلام لأن وجود “عبد الرحمن” بالقصر يجعل (شعرة معاوية) موجودة بينه وبين الحكومة، وبهذا تحول “عبد الرحمن” (العربون) لـ(شعرة معاوية).
{ هل يعني هذا أن مشاركة “عبد الرحمن” برضا كامل من والده؟
– نعم هو باتفاق، فـ”عبد الرحمن” (ما ممكن يعمل حاجة بدون موافقة والده)، وعلى الأقل لو لم يكن برضا “الصادق” لكان قاطع ابنه، لأن “الصادق” لا يفرق بين الخاص والعام، فمثلاً نحن لأنه مختلف معنا سياسياً لا يقوم بتعزيتنا في وفيات أهلنا التي تحدث، يمكن أن يخرج بياناً في الإعلام، لكنه لا يعزينا نحن في إخواننا وأهلنا الذين يتوفون، وعندما كنا في الحكومة لم يكن يسلم علينا، لأنه لا يفرق بين الخاص والعام.
{ أليس هناك أي تواصل بينك وبين “الصادق”؟
– أنا في المناسبات أذهب إليه، فمثلاً عند اعتقاله زرته في (كوبر)، وبعد إطلاقه (اتحمدلت ليه السلامة). نحن نتعامل معاه (عادي) لكن هو في المقابل لا يتعامل معنا، لا معي أنا ولا مع “د. الصادق الهادي”، فهو لم يعزيه في أمه، ولم يعزيني أنا في أختي ولا في أخي، رغم أن أخي متزوج من أخته، أصدر بيان تعزية للعامة، لكن نحن (ما عزانا)، وبيان التعزية نفسه (طاعنّاً) فيه وقال فيه (إنه لم يضع يده في يد أي نظام شمولي)، ولكن “الصادق” نسي أنه دخل (الإتحاد الاشتراكي) وأدى قسم الولاء لـ(مايو)، وهذه موثقة بالصورة والصوت وموجودة. يعني “الصادق” حتى في مسائل الموت ينزع للمهاترة، وهذا عيب كبير جداً لشخص في سنه وفي مقامه، وهذه خصلة (ما سودانية)، ياخي “عمر البشير” جاء عزّانا.
{ هذا الحال يمنع إمكانية أي التئام بينكما أو تقارب؟
– بالنسبة لي الأمر ليس شخصياً، فالقضية عامة وأنا ليست لديّ مشكلة شخصية معه.
{ “الصادق” الآن أعلن عن تفعيل لجنة المصالحة ولجنة إعداد المؤتمر العام بنهاية العام الحالي.. كيف تنظر لهذه الخطوة؟
– (ده كله كلام فارغ ساي) وهذه الخطوة جاءت نتيجة لاجتماع تم في “القاهرة” حاول من خلاله الوصول لاتفاق جزئي مع مجموعة عينها “د. إبراهيم الأمين” مسؤولة عن المهجر عمل عليها هو انقلاب، فحاول إقامة توافق بين المجموعتين لكنه لم ينجح، وعندما اختلفوا حول إخراج بيان اقترح هو هذه الأشياء وأخرجها، ولكن الطرف الآخر أصدر بياناً قال إنها توصيات ما عندها محل تنفيذ وتنظر فيها الأجهزة كلٌ حسب اختصاصه. بيان “الصادق” وما جاء فيه هو محاولة لتغطية فشل لاجتماع “القاهرة”. وما جاء به عُرض من قبل وتم رفضه، فهو لم يتحدث عن ماذا يحدث إن لم يقم المؤتمر العام، ويتحدث عن لجنة لإعداد المؤتمر العام يشترك فيها الجميع ولا يكونها ويدع الموضوع معلقاً، هو يحاول فقط شراء زمن، ومن قبل قال له وفد القيادات الذي اجتمع معه في نوفمبر 2011م عندما طرح لهم نفس هذا الطرح إن هذه (حبال بلا بقر) لأنه لابد أن نتفق على تنظيم يحضِّر للمؤتمر وعلى لجنة المؤتمر وموعد لانعقاده، وعلى البديل في حال لم يقم المؤتمر، لأنه بعد عام يمكن أن يأتي ويقول نفس الكلام، لذلك ما أعلنه “الصادق” أخيراً ليس لديه أي محل من الإعراب ولا قيمة لأنه لا يغير الواقع الموجود الذي فيه أن التنظيم الموجود بما فيه “الصادق” نفسه انتهت صلاحيته منذ أربع سنوات.
{ أنتم حاولتم تغيير هذا الواقع من خلال السعي لعقد مؤتمر لتوحيد الحزب لكنكم أجلتم قيامه.. متى سينعقد؟
– في (فبراير) الحالي، لدينا طواف ووفود متحركة في الولايات، ولدينا برنامج ورش تناقش ثلاث أوراق أساسية، لأننا لا نريد أن نعمل حشداً، بل حوار قيادي كادري حول أوراق الحزب الأساسية وكيفية إعادة بنائه.
{ أين كوادر وقيادات الحزب الموجودة في المؤسسات التي يقودها “الصادق” من هذا الحراك.. هل تمكنتم من إقناعهم بالمشاركة معكم؟
– القيادات الموجودة في التنظيم الحالي مشاركة معنا وهي وغيرها المستهدفة، وقبل أيام كان معنا أمين عام (جنوب كردفان) في مؤتمر صحفي حول السلام في الولاية، لكن نتوقع أن تكون هناك قيادات لها موقف آخر، ويقولوا إنهم ملتزمون مع “سيد صادق”، وآخرون لديهم عصبية عقائدية، وآخرون لا يحبون المواجهة ويفضلون الحياد، ولكن المتعصبين قلة. والاستجابة أكبر عند الشباب من الشيوخ، والشيوخ ينقسمون لأقسام، قسم مستجيبين وقسم متعصبين، وآخرون يقولون لنا (خلوا أولادنا يمشوا معاكم، وخلونا نحن في الآخر)، نحن نستهدف كل قيادات وعضوية حزب (الأمة) في كل السودان دون استثناء.
{ هل تمتد خلافات الحزب إلى خلاف حول إمامة الأنصار أم إن الأمر استتب للإمام “الصادق”؟
– طبعاً هناك خلاف حول الإمامة بين “سيد صادق” والسيد “أحمد المهدي”، لكن نحن لا علاقة لنا بهذا الصراع، ونعتقد أنه صراع آخر ويحسم نفسه بنفسه.
{ المؤتمر الذي كنتم تعتزمون إقامته في 26 يناير أثار جدلاً حول (مجمع بيت المهدي) وتسجيله باسم ورثة السيد “عبد الرحمن”.. ما هو موقفكم من هذا الجدل؟
– (بيت المهدي) تحت إمرة السيد “أحمد المهدي”، وهو عملياً مسجل الآن باسم المسجد، وجزء مسجل باسم الآثار، لكن إن أردنا الحديث عن الأسرة نستطيع أن نقول إن (95%) معنا وليس مع “سيد صادق”، لذلك أنا مستغرب كيف قال هذا الكلام! لأنهم ذهبوا لأسرة “عبدالله خليل” بعد أن أساء لهم في (قناة الجزيرة) وقال (حاسدني)، فالأسرة متعاطفة معنا نحن. ولكن إن أردنا مناقشة قضية الورثة من ناحية أخرى فهذا اسمه (بيت الإمام المهدي)، فقد اختار هذا المكان وبنى فيه بيته ولما توفي دُفن في غرفته تأسياً بالرسول “صلى الله عليه وسلم”، بعدها قام الإمام “عبد الرحمن” ببناء هذا (الحوش) وتوسعته، فإن أردنا الحديث عن ورثات فهذه ورثة أولاد الإمام “المهدي” كلهم، لماذا ورثة ولد واحد هو (السيد عبدالرحمن)، إذاً (بيت الإمام المهدي) هو ورثة كل أولاده، وفي هذه الحالة نحن نأتي أغلبية و(برضو حانخرت) “سيد صادق” في الموضوع ده، لأننا لدينا أبناء المهدي (الفاضل والبشرى ومحمد وزينب) وهؤلاء أربعة أشقاء، فإذا الموضوع ورثة نحن (فايتين) “الصادق”.
{ هو يتحدث عن أنه مسجل باسم السيد “عبد الرحمن”؟
– غير صحيح، معلوماته غير صحيحة، البيت مسجل باسم المسجد، وجزء من القبة مسجل باسم الآثار، لكن إمرته لدى السيد “أحمد المهدي” بالتفاهم مع السلطات منذ فترة طويلة بصفته الابن الأكبر في الأسرة، ونحن معتادون على إقامة مناسباتنا فيه ولم يتم اعتراضنا. بخلاف أن هذا بيت الأمة، وما نسعى لإقامته مؤتمر صلح ولم شمل، بالتالي تيمناً بالإمام “المهدي” أردنا قيامه في بيته، والأماكن كثيرة لكن الرمزية مهمة.
{ نعود بك لانقلاب الإنقاذ وأنت كنت حينها وزير داخلية.. هناك حديث عن أنكم وتحديداً “الصادق المهدي” قد تملكتم معلومات عن وجود تخطيط لتنفيذ الانقلاب.. لماذا لم تتعاملوا مع هذه المعلومات؟
– أولاً لم تكن هناك أصلاً ترتيبات في الدولة لمنع الانقلابات، وكانت الأمور متروكة للأجهزة الموجودة لكن لم نكن هناك أي ترتيبات لمواجهة الانقلابات وهذا كان خطأ مسؤولة عنه القيادة، لأنها كان يُفترض أن تؤمن الديمقراطية لأن التآمر وارد، ثانياً من كل الملابسات كان السيد “الصادق” غير مقتنع بأن هناك شخصاً يمكن أن يغامر ويعمل انقلاب في الظروف التي يعيشها السودان، وهذه كانت قناعات مبنية على فهم موضوعي، لكن المغامرة لا تُحسب بالموضوعية، لذلك كانت أي بلاغات وملاحظات تأتيه يتعامل معها بأنها (كلام فارغ)، أتته بلاغات كثيرة لم يأخذ بها، أنا شخصياً رفعت له تقريراً عن الرأي العام في الجيش بعد إعلان محاولة انقلاب (الزبير)، رد عليّ مستنكراً ما جاء في التقرير باعتباره (كلام فارغ)، أيضاً تحدثت معه وقلت له إن الجو مهيّأ لانقلاب وإن هذا محتاج لانقلاب مدني يغير هذا الوضع، ولكن أيضاً لم يكن مستعداً للنقاش، وقال لي (نناقش الموضوع ده بعد الميزانية) وهذا ما يختص بتقديراتي.
{ ألم تكن هناك معلومات حقيقية عن وجود تخطيط لانقلاب؟
– في 1998م جاء الأخ المرحوم “صلاح عبد السلام الخليفة” ـ والذي كان وزير شؤون الرئاسة ـ للعلاج في “بريطانيا”، وفاجأني بقوله إنه كان لديهم بلاغ عن الانقلاب والمشاركين فيه بالاسم (عمر البشير ومحمد الأمين خليفة والطيب إبراهيم محمد خير، ورابع لا أتذكره)، وقال إن البلاغ أتاه من إحدى بناتنا في السلاح الطبي رائد اسمها “زينب مالك”، وقال إنها جاءته في البيت وأوضحت له أنها لحظة وجودها في المعمل كانت مجموعة الضباط هذه تتحدث عن انقلاب دون أن تنتبه لوجودها ولما انتبهوا لها غيروا كلامهم. وأخبرني المرحوم “صلاح” أن الرائد “زينب” قالت له هل يكفي إيصالها البلاغ له أم تذهب لإبلاغ السيد “الصادق”، وإنه قال لها كفاية. فسألته لماذا لم يخبرونا بهذه المعلومات، فأجابني بأنه أبلغ “الصادق” بالمعلومات وأنه كلفه بإبلاغ القائد العام ورئيس الأركان، وقام بإبلاغهم وقال “رجعوا لي وقالوا المعلومة ما صحيحة وأغلق الموضوع” أنا لمته بأنهم لم يبلغوني وأنا وزير داخلية خاصة وأن لديهم بلاغاً بأسماء محددة، هذه رواية المرحوم “صلاح عبد السلام”، وهي أقرب كلام للحقيقة، وبقية الكلام تقديرات وإرهاصات. كثيرون يقولون إنهم بلغوا بمعلومات، ولكن من التجربة كثير من السودانيين بعد وقوع الحادث يدعوا أشياء غير صحيحة. لكن “سيد صادق” لم يكن مستعداً أن يسمع أي كلام عن انقلاب، بالتالي أي كلام يصله يصرفه بتلك القناعات ولا يعطيه اهتماماً.
{ هذا إقرار بوجود تقصير في حماية الديمقراطية؟
– نعم كان هناك تقصير وسوء تقدير لأنه لم تكن هناك ترتيبات مضادة لمنع الانقلابات، أنا شخصياً لم أعمل في القطاع الأمني إلا آخر ثلاثة أشهر قبل الانقلاب في فبراير 1989م.
{ وماذا فعلت بعد توليك الداخلية؟
– درست الموقف ووجدت أن الموقف خطير جداً وأن الأجهزة ضعيفة، والأمر يحتاج على الأقل ستة أشهر لإعادة البناء، وفي آخر أسبوع قمنا بحل جهاز الأمن لأنه ضعيف، وأقنعت مدير الجهاز ومدير الشرطة أن التقارير التي تصدر عن الجهاز مستواها ضعيف وفيها تكرار ودرجة من (الاستهبال) ويأتون بجزء من التقارير القديمة ويدخلونها في التقارير الجديدة على أساس أننا لا نقرأها. فاقتنعوا بإعادة الضباط للكشف العام ويعيدوا الاختيار من جديد، وكنا نعمل في مشروع بناء قوة مدرعة للأمن الداخلي، وهذا كان من شأنه خلق مضاد لأية مجموعة مغامرة. وفي الدول المختلفة تكون هناك أكثر من قوة تقوم بحماية البلاد، هذا المشروع كان يحتاج ستة أشهر، ونحن من شهر (فبراير) حتى يونيو 1989م درسنا الوضع وبدأنا تكييف القرارات ودخلنا في نقاشات مع مديري الشرطة والأمن، ووصلنا لتوصية بإعادة النظر في كل هذه الأجهزة ولكن حصل الانقلاب، ولكن التقصير الأساسي أنه منذ اليوم الأول كان مفترض أن يكون هناك تفكير في إنشاء قوة لحماية الديمقراطية تمنع أي مغامر من الإنفراد لعمل انقلاب. وكان مفترضاً أن تكون هناك أجهزة أمن قادرة على معرفة ما يحدث ولكن هذا لم يحدث.
{ ومن المسؤول تحديداً عن هذا التقصير؟
– القطاع الأمني كان يتولاه من البداية الحزب الاتحادي الديمقراطي السيد “سيد أحمد الحسين”، وحقيقةً ما عملوا فيه أي حاجة، ولما بعد عامين أدرك الناس هذا الضعف تشبث الاتحاديون بهذا الوضع ورفضوا ترك وزارة الداخلية، وحدثت أزمة تمت معالجتها بحل وسط بأن حُيدت الوزارة لمدة عام وتم تعيين فريق شرطة “عباس أبو شامة” لفك الارتباط بينها وبين الحزب الاتحادي، ثم جاءت الفرصة بعد ذلك لنتولى الداخلية، فمشكلة رجل الشرطة أن من بالوزارة هم زملاؤه ولا يريد إجراء أي تغييرات تُحسب عليه، فكانت أقرب للمرحلة الانتقالية، لأن (الاتحادي) أصر إما الداخلية أو لن يدخل الحكومة، وفي النهاية وافقوا على خيار التحييد. المسؤولية الأكبر على الحزب (الاتحادي) لأنه كان مسؤولاً عن القطاع الأمني، ولم ينتبه لتقوية هذا القطاع، والمسؤولية النهائية لرئيس الوزراء كقيادة وكشخص عنده خبرة، فقد كان رئيس وزراء في 1966م ومرت به انقلابات، فكان مفترض أن يكون التفكير في إنشاء وضع يحفظ الديمقراطية. أنا شخصياً اقترحت أن يتم إنشاء قوة تابعة لمجلس الوزراء أو غيره وسألته بعد شهرين فأخبرني أن وزير المالية “بشير عمر” رفض تمويل المشروع، ولكن هذه مسألة إستراتيجية لم يكن يُفترض أن تخضع لرأي وزير، كان يجب أن تطرحها القيادة وترتب لها حتى توقف أي أطماع ومغامرة للانقلاب، ولكن شخصية السيد “الصادق” التي تغلب عليها الأكاديمية كانت مؤثرة أكثر في تكييف رأيه بأنه لن يحدث انقلاب.
{ هل هناك أمل أن تعود الديمقراطية للسودان؟
– ستعود الديمقراطية، لأن السودان لن يتم حكمه إلا بالتراضي، لكن الديمقراطية بشكلها القديم لن تنجح، فهي محتاجة لتعديلات كثيرة، مثلاً إقامة جمعية تأسيسية مرة أخرى ومجلس سيادة تجاوزه الزمن، نحتاج أن يكون لدينا نظام رئاسي ووضع أقوى، وأن يتم سريعاً حسم قضية الدستور، عموماً الطريقة النمطية القديمة لن تنجح، لكن السودان سيرجع لدرجة من الحكم المتراضي عليه وإلا ما (حايمشي) والصراع سيضيع الموارد كلها وستتكسر البلد.
المجهر السياسي