٭ لم يكن الحسن الميرغني يرفض العيش في جلباب أبيه حسبما جرت العادة داخل الأسرة الميرغينة، فقد عرف عن الميرغني الأب مغادرة البلاد بشكل راتب كلما انتابته حالة من الغضب الشديد على النظام الحاكم، أو المغادرة مستشفيا،ً وفي بعض الحالات يفضل المغادرة كلما فكر أن يبدأ رحلة البحث عن حلول خارجية لمشاكل الوطن، كذلك فعل نجل الميرغني (الحسن) ربما لواحد من هذه الأسباب ودار في فلك أبيه المشحون بالمغادرات، ولم يسع للبحث عن الاستعصام بمكتبه الفخيم داخل القصر الجمهوري .
خيبة أمل
شكوك كثيرة حامت حول مغادرة الميرغني الصغير للبلاد عقب تصريحاته الأخيرة بجنينة جده السيد علي الميرغني وسط الخرطوم، التي أظهر فيها حالة من عدم الرضا على شركائه في الحكومة، وشكا من حالة تهميش واضحة لشخصه، وعدم تكليفه بأية ملفات سيما وأنه يحتل منصب الرجل الرابع في الحكومة، مما فتح الباب واسعاً لتكهنات المغادرة المفاجئة للبلاد، والتي امتدت لنحو شهرين .. فالتكهنات ربطت بين تصريحاته الأخيره ومغادرته للبلاد غاضباً، بيد أن مكتبه أعلن أن المغادرة كانت بغرض العلاج من إصابة في رجله .
لكن القيادي الشاب بالحزب وأحد الناقمين على نجل الميرغني جعفر حسن عثمان قال لـ (آخر لحظة) أرجح أن يكون الميرغني الصغير قد غادر غاضباً على النظام الحاكم، وإحساسه بخيبة الأمل من عدم تنفيذ خطته التي أعلن فيها قدرته على معالجة مشاكل البلاد خلال (181) يوماًَ، ولم يستبعد جعفر عودته إلى البلاد وممارسة عمله بشكل طبيعي لعدم قدرته على مقارعة شركائه، وفشله في خطف ود جماهير حزبه التي أعلنت رفضها لمساندته في مؤتمر كبير أقيم بمنطقة أم دوم وتبرؤها من مشاركته في النظام .
ضرورات وطنية
لكن مصدر مقرب من الحسن فضل حجب اسمه رفض في حديثه لـ(آخر لحظة) أن توصف مغادرة مساعد أول الرئيس بالغاضبة.. وتعبر عن حالة تمرد على نظام شارك فيه الاتحادي الأصل بمحض إرادته، حيث لم تكن المشاركة قد فرضت على الحزب من أحد، لضرورات وطنية بحتة، وقال وأهم من يتحدث عن خلافات مكتومة بين الإتحادي والمؤتمر الوطني حول منصب أو تقسيم ثروة كما يفعل الآخرون.. وأضاف قائلاً: ربما هنالك خلافات على بعض القضايا، لكننا في الحزبين ننتهج نهج الحوار والخلاف الناعم بعيداً عن المغادرات الغاضبة التي لم يكن لها وجوده إلا في أذهان الحالمين بوقوع مثل هذه الخلافات، غير أن السفير نجيب الخير يرى أن غموض العلاقة بين الحزبين (المؤتمر الوطني ـ الاتحادي الأصل) وعدم الإلمام بفحوى الاتفاق الذي تمت بموجبه المشاركة، ونصبت من الحسن الميرغني مساعداً أول لرئيس الجمهورية تقود إلى عدم معرفة ما يدور بالضبط في ذهن نجل الميرغني، ويرجح الخير إلى أن يكون من ضمن بنود الاتفاق شرطاً يسمح بموجبه للحسن الميرغني بمغادرة البلاد والغياب، وربما كان لتهميش الحسن سبباً من أسباب المغادرة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا وفي سياق مناقشة القضية يكمن في هل لنجل الميرغني قدرات تمكنه من تولي المنصب من الأساس أم أن الترضيات والتسويات الحزبية هي التي عجلت بتوليه منصب الرجل الرابع في الدولة؟ ويضيف نجيب أنه وعلى العموم فإن الصعوبة في حل لغز الغياب سببه غموض العلاقة وعدم الإلمام بالاتفاق الموقع بين الحزبين الذي شارك بموجبه الحزب الاتحادي الأصل في الحكومة .
٭ كيد سياسي
وكان مصدر مطلع قد كشف لـ(آخر لحظة) أمس أن الحسن الميرغني نقل مكتبه من القصر إلى جنينة السيد علي الميرغني، ما يعني وجود خلافات مكتومة بين المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الأصل، وقال المصدر إن نجل الميرغني وقبيل مغادرته البلاد التقى بعدد من السفراء والوفود والهيئات الدبلوماسية بالجنينة، لكن القيادي الشاب بالحزب وأمين التنظيم أسامة حسونة نفى لـ(آخر لحظة) أمس أن يكون الحسن قد نقل مكتبه من القصر، وقال إن الميرغني كرئيس مكلف للحزب يمارس عمله من القصر والجنينة معاً.. من أجل خدمة الشعب السوداني، وقال إن ما أشيع حول نقل المكتب يأتي في إطار الكيد السياسي للحزب ورموزه ، غير أن حسونة لم يدل للصحيفة بأي معلومات عن أسباب غياب الحسن الميرغني طيلة المدة الماضية، واكتفى بالقول إن رئيس حزبه المكلف يعمل من أجل خدمة الشعب السوداني .. وفي نفس الاتجاه ذهب عضو هيئة القيادة بالحزب ميرغني مساعد في حديثه لـ(آخر لحظة) إلى أن كل ما يعلمه عن سفر الحسن الميرغني أنه غادر البلاد مستشفياً، ولم يغادر لأي سبب آخر، وتوقع مساعد عودة نجل الميرغني في القريب العاجل لمواصلة مشاريعه الحزبية الساعية للإصلاح وإنجاز مهامه المؤكلة إليه كمساعد أول لرئيس الجمهورية .
ومهما يكن من أمر فإن الأيام المقبلة ستكشف حقيقة غياب الرجل الذي من الواضح أنه قد استعصى عليه الركض في مضمار السياسية إسوة بشقيقه جعفر الصادق الذي غادر القصر بهدوء تام كما دخله.
صحيفة اخر لحظة تقرير:علي الدالي