استخدم الدم في الوصف من قبل السودانيين، فقيل هذا دمه تقيل، وهذا دمعه بقري، ودا دمه (قرادة) وأحياناً يقال دا دمه شربات دلالة على الظرف.. تشبيهات عديدة للدم وصف بها الإنسان، لكن الدم هو محرك الإنسان فإذا فقد المرء جزءاً كبيراً من دمه يقال إنه أصيب بأنيميا دلالة على نقص دمه.. والدم يحتاج إليه عند إجراء العمليات الجراحية الكبيرة، فيطلب من أهل الشخص الذي سيخضع لعملية جراحية معقدة أن يوفروا كمية كبيرة من الدم، لذلك يلجأ أهل المريض إلى معارفهم وأصدقائهم وأحياناً إلى من لا يعرفونه إذا كانت فصيلة الدم لائقة مع الشخص الذي سيمنح هذا الدم، وفي مستشفيات القابلات تجد أعداداً كبيرة من الرجال ينتظرون للتبرع بالدم، لأن فلانة في حالة وضوع ومحتاجة إلى زجاجتين أو ثلاث زجاجات دم وإلا ستفقد روحها إذا لم يتوفر الدم، فتجد أهلها في حالة هلع وخوف إذا لم يجدوا من يتبرع..
لكن في الآونة الأخيرة أصبح التبرع بالدم اختيارياً دون أن يطلب من الشخص التبرع به، فهناك أشخاص لهم دم زائد يلجأون إلى المستشفيات طوعاً واختياراً للتبرع به، إلا أن مستشفياتنا لا تتعامل مع أولئك التعامل المناسب، وقد حدثني مصور القصر الجمهوري “كمال عمر” بأنه ذهب إلى مستشفى أم درمان باختياره للتبرع بما فاض من دمه، فطلب منه إجراء عدة فحوصات للتأكد من سلامته، فأبرز عدة شهادات تؤكد خلوة من أي مرض، لكن هذه الشهادات لم تساعده في تقديم دمه للمستشفى، فقيل له انتظر المسؤول من أخذ الدم وبعد ساعات من الانتظار جاء الشخص فتعلل بحجة أن الزمن المقرر لأخذ الدم انتهى، وعليه أن يذهب إلى مستشفى الدايات بأم درمان، فذهب إلى المستشفى لكن واجهته نفس المشكلة وطلب منه أن يذهب إلى معمل إستاك، فقال في نفسه: (مالي ومال التعب دمي عندي وتاعب نفسي على شنو).
تخيلوا هذه البيروقراطية المميتة، فلا ندري هل وزير الصحة بولاية الخرطوم البروفيسور “مأمون حميدة” يعلم بذلك ويعلم حال مستشفياته التي يحتاج مريضها أحياناً إلى دم ولا يكون جاهزاً، فإما أن يموت المريض وإما أن يلجأوا إلى الشراء بأثمان باهظة، وكل شيء أصبح بثمنه، ولا أحد يقدم خدمة مجانية، فلماذا لا نستفيد من أولئك الذين يأتون بإرادتهم لإنقاذ من يحتاجون إلى دم أو على الأقل جعله تحت الطلب.
في المملكة العربية السعودية الذين يتقدمون إلى المستشفيات بمحض إرادتهم للتبرع بدمهم يمنحون شهادات تساعدهم في دخول أي مستشفى مجاني إضافة إلى فوائد مختلفة أخرى.. لكن نحن أمة عجيبة، وكما يقول المثل (جوا يساعدوه في دفن أبوه دس المحافير)، فهؤلاء يا وزارة الصحة جوا يدوكم دمهم وتعذبوهم كدا.
صلاح حبيب – لنا رأي
صحيفة المجهر السياسي