الصفحة الأولى

ظل الزميل العزيز “عبدالله رزق”، يحرضني على كتابة مذكراتي، وهو يعتقد أن أسلوب الحكي الذي أمارسه، يتيح لي كتابة مقروءة .وكرر على هذا الطلب، وحينما قلت له ولكن أين أنشرها ، ولا يمكن أن أكتب مادتين في الصحيفة، اقترح عليّ تخصيص يوم لكتابتها عبر (النشوف آخرتا) على غرار (حديقة الأحد) و(سهرة الخميس) و(فضفضة الجمعة).. حقيقة فكرت في تنفيذ اقتراحه فقد راق لي، خاصة ،والسوداني ضنين بكتابة مذكراته خوفاً من المسكوت عنه.. وخوفاً من الصدق الجارح فإما أن يتجمل ويكذب وإما أن يكون صريحاً فيقع في المحظور.. عموماً بدأت تنفيذ مقترحه ، وعدت بذاكرتي إلى الوراء من أين ابدأ إذن؟ عدت بذاكرتي إلى الطفولة فوجدت أنها طفولة مختلفة على نحو ما.. فقد بدأت بالخلوة لكني نفرت منها لفظاظة الشيخ وكانت نقلة عجيبة، إذ تحولت إلى مدرسة الإرسالية أو روضتها بالأحرى، فوجدوا مستواي لا يستقيم مع الروضة فأدخلوني المدرسة الصف الأول، وأذكر أن مدرستنا الكبيرة كان اسمها ست (استر) لكن معلمة شابة لا أذكر اسمها كانت لا تستلطفني ولا أدري سبباً لذلك.. لكنها على كل حال تربصت بي وأشارت إلى أن لدي وعي مبكر بأمور الحياة خاصة الجنسية.. فطلبوا تحويلي إلى مدرسة حكومية فانتقلت إلى (مدرسة بيت الأمانة الأولية)، وهناك نقلوني مباشرة إلى (الصف الثاني). وأعجبت أيما إعجاب بالمدرسة فكان ناظرها (المدير بالمسمى الجديد) (شيخ شعيب) كان رجلاً لطيفاً أحببته جداً وكان يقف مع الطلاب ضد فظاظة المعلمين وكان لديه درس عصر في بيته في حي (ود ارو) وألححت على والدي أن يلحقني به.. وكان درساً ممتعاً يحكي لنا فيه سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وسيرة صحابته ويدرسنا (الحساب والعربي) بطريقة محببة جداً.. كانت ترهقني نعرة إنت ود ناس منو؟ لم تكن أسرة أبي أمدرمانية بل أسرة والدتي.. ورغم أنها كانت مرموقة فجدي “مصطفى عبد المجيد” كان مقاولاً مشهوراً، وكان يعمل ضمن منظومة (جابر أبو العز) وبعض أخوالي غير المباشرين من نجوم المجتمع مثل “بسطاوي بغدادي” ودكتور “أحمد عبدالمجيد” و”محيي الدين إبراهيم عمر”.. وغيرهم لكن الطالب لا يعرف نفسه بأهل والدته إلى أن تعرف الناظر على والدي وذلك بسبب عمله في مصلحة التلفونات، وكان يلجأ إليه حين يتعطل هاتف المدرسة أو منزله.. لذلك كان يخاطب التلاميذ يا ود ناس “قباني” يا ود ناس النضيف، وهكذا وأنا كان يناديني يا ود أخوي فأطربني ذلك وعوضني التهميش بسبب عدم شهرة والدي الذي جاء مهاجراً من “حلفا” وتنقل في مدن السودان كافة.. حتى بنينا بيتاً في مدينة “المهدية الحارة الخامسة” ورحلنا إليه في بداية الستينيات، فتحولت إلى مدرسة (حي العمدة) الأقرب من بيت الأمانة لسكني.. كنت أحس بوحشة كبيرة لكن وجدت فيها معلمين أكفاء عوضوني كثيراً فما افتقدت سوى معلمي (شيخ شعيب) الذي ما زلت أذكر ملامحه، وتشاء الأقدار أن أعمل في بداية السبعينيات مدرساً في مدرسة (حي العمدة) التي درست فيها آخر سنواتي في الأولية وأحرزت مجموعاً كبيراً خول لي دخول مدرسة أم درمان الأميرية ولم أكن أحب ذلك.. كنت أتمنى أن التحق بمدرسة غيرها لأنها كانت مدرسة للمتفوقين في الدراسة، فهي تستوعب الثمانين أو المائة الأوائل في امتحان الدخول للمدارس الوسطى.. وقد صدق حدسي وقضيت أسوأ سنوات عمري في تلك المدرسة ولذلك حكاية وحكاية.
المرة المقبلة أواصل..

Exit mobile version